البريكس سيضرب الدولار فى مقتل ويعيده الى عملة محلية
حتّى اللحظة، أعربت 19 دولة عن اهتمامها بالانضمام إلى مجموعة دول بريكس، التي تقتصر عضويتها اليوم على كل من البرازيل وروسيا والهند والصين وجنوب أفريقيا.
ومن بين الدول المرشّحة للانضمام، تبرز في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا كل من المملكة العربيّة السعوديّة والإمارات العربيّة المتحدة ومصر والبحرين وإيران. وهذا ما يطرح السؤال عن أسباب اهتمام كلّ من هذه الدول بالانضمام إلى المجموعة، ونوعيّة المكاسب التي يمكن أن تحققها هذه الدول من خطوة من هذا النوع.
ففي الوقت الراهن، لا يمكن فصل نشاط مجموعة بريكس عن محاولات تحدّي الهيمنة الغربيّة، وهيمنة الولايات المتحدة الأميركيّة بالتحديد، على النظام المالي العالمي. وهذا ما تحاول المجموعة القيام به من خلال إنشاء وسيلة بديلة لسداد المدفوعات التجاريّة، باستخدام عملة موحّدة بديلة عن الدولار الأميركي.
ومن المفترض أن يتم طرح هذه الفكرة في قمّة المجموعة المقبلة في جنوب أفريقيا، خلال شهر يوليو 2023. وفي حال نجاح هذه الخطوة، ستكون المجموعة قد تمكّنت ولأوّل مرّة من خلق أداة تداول جديدة، لا تخضع للقيود أو العقوبات الأميركيّة، ولا تمرّ بالضرورة بالمصارف المراسلة الأميركيّة، كما هي الحال مع الدولار اليوم.
وفي الوقت عينه، تراهن بريكس على تطوير بنك التنمية الجديد، وهو بنك متعدّد الأطراف أسسته المجموعة عينها بهدف تمويل المشاريع العامّة والخاصّة، من خلال القروض والمساهمات المباشرة.
مع الإشارة إلى أنّ البنك وافق عام 2021 على قبول عضوية كل من مصر والإمارات العربيّة المتحدة، كخطوة تمهّد لقبول الدولتين في مجموعة بريكس. وتسعى المجموعة إلى تعزيز دور هذا البنك كبديل عن المؤسسات الماليّة الدوليّة الأخرى، التي تهيمن على قراراتها الولايات المتحدة الأميركيّة، كصندوق النقد الدولي والبنك الدولي.
وإلى جانب هذا كلّه، تسعى دول المجموعة منذ سنوات إلى تطوير نظام مالي جديد لإدارة التحاويل بين المصارف التجاريّة، كبديل عن نظام السويفت الذي يربط اليوم بين المصارف العالميّة. وهذه الخطوة، ستمنع الدول الغربيّة من عزل مصارف معيّنة عن نظام التداولات الماليّة العالميّة، كما فعلت مع بعض المصارف الروسيّة في بدايات الحرب في أوكرانيا.
باختصار، تحاول دول مجموعة بريكس الانتقال إلى نظام اقتصادي دولي رديف، عبر توفير بدائل عمّا تعتبره هذه الدول أدوات للهيمنة الماليّة الغربيّة. وهذا الهدف، يتقاطع اليوم –ولأسباب مختلفة- مع أهداف دول الشرق الأوسط وشمال أفريقيا التي تحاول الانضمام إلى مجموعة بريكس.
مصر: تنويع مصادر التمويل والاقتراض
كما هو معلوم، تواجه مصر حاليًا مصاعب اقتصاديّة، نتيجة ارتفاع حجم مديونيّة الدولة مقارنة بحجم الاقتصاد، بالإضافة إلى محدوديّة احتياطات العملات الأجنبيّة المتوفّرة، لتمويل سداد الديون الخارجيّة مع الفوائد خلال السنوات المقبلة. وفي هذا الوقت، تعاني مصر من تزايد الضغوط على ميزان مدفوعاتها، جرّاء ارتفاع الفوائد في الدول الغربيّة، وتزايد معدّلات التضخّم العالميّة التي ترفع فاتورة الاستيراد.
وهذا ما فرض على الدولة المصريّة اللجوء إلى صندوق النقد مرّة أخرى، للحصول على تمويل جديد عام 2023، وبشروط صارمة شملت خفض قيمة الجنيه المصري أمام الدولار الأميركي، وخصخصة مجموعة من الشركات المملوكة من الدولة والجيش. كما تسعى مصر في الوقت الراهن إلى استقدام المزيد من رؤوس الأموال والاستثمارات الأجنبيّة، وخصوصًا الخليجيّة، لضخ المزيد من السيولة بالعملات الأجنبيّة داخل السوق المصريّة.
الانضمام إلى مجموعة بريكس، سيسمح لمصر بتنويع مصادر القروض التي تحتاج إليها بشدّة في الوقت الراهن، بدل الارتهان لشروط وموافقات صندوق النقد الدولي وحده. وهذا بالذات ما يفترض أن يؤمّنه بنك التنمية الجديد، الذي حرصت مصر على الانضمام إليه قبل الانضمام إلى مجموعة بريكس عينها. كما سيسمح وجود هذه الخيارات البديلة لمصر بفرض شروطها بشكل أفضل، وبقدرة تفاوضيّة أقوى، عند طلب أي رزم تمويليّة من صندوق النقد أو البنك الدولي في المستقبل.
وبالنسبة إلى الاستثمارات الأجنبيّة، فستتمكّن مصر من استقدام المزيد من الرساميل من دول المجموعة، وخصوصًا إذا ما تم إنشاء أدوات دفع جديدة تسهّل إجراءات التحويلات الماليّة ما بين مصر ودول المجموعة. ومن المعلوم أن مصر سعت في العديد من المحطّات إلى تقديم التسهيلات الكفيلة باستقطاب الرساميل الصينيّة بالتحديد، لاستثمارها في مشاريع البنية التحتيّة.
إيران: تلافي العقوبات الغربيّة
بالنسبة إلى إيران، تمثّل العقوبات الغربيّة الهاجس الاقتصادي الأساسي، الذي يحول دون اتصالها ماليًا بشكل طبيعي مع النظام المالي العالمي. كما يحول هذا العامل دون تلقّي إيران الاستثمارات الأجنبيّة التي تحتاجها، وخصوصًا في مجال الطاقة. وللالتفاف على العقوبات الغربيّة، تضطر إيران اليوم إلى تكبّد خسائر من قيمة النفط والغاز الذي تبيعه، عبر عرضه في السوق السوداء، وبأسعار تقل عن الأسعار الرائجة.
وتجدر الإشارة إلى أنّ فرض العقوبات على روسيا، واضطرار الشركات الروسيّة لعرض حسومات مقابل بيع نفطها في السوق السوداء، فرض على الإيرانيين تقديم حسومات أكبر لمنافسة النفط الروسي، ما زاد من كلفة العقوبات على إيران.
هكذا، تمثّل مشاريع مجموعة بريكس فرصة لا تثمّن بالنسبة للإيرانيين، وخصوصًا إذا نجحت هذه المشاريع بتكوين وسائط دفع بديلة وشرعيّة لبيع النفط، من دون المرور بالمصارف الغربيّة، ولا الارتهان للتداول بالدولار الأميركي. كما سيسمح هذا النوع من المشاريع باستقدام الاستثمار الأجنبي الذي تحتاجه إيران بشدّة في مشاريع الطاقة.
إذ ستمكّن أنظمة الدفع البديلة شركات دول مجموعة البريكس من العمل داخل إيران، من دون تمرير عمليّاتها الماليّة بالأنظمة الماليّة الغربيّة. مع الإشارة إلى أنّ العقبة الأساسيّة التي تمنع دخول هذه الشركات حاليًا إلى إيران، تكمن في عدم وجود عملة دوليّة ونظام دفع عالمي يسمحان بإجراء العمليّات مع إيران، في ظل العقوبات المفروضة عليها.
أمّا إذا انضمّت السعوديّة والإمارات إلى المجموعة، فتراهن إيران على الاستفادة من رساميل هذه الدول، الباحثة أساسًا عن أسواق مغرية للاستثمار. ورغم وجود العقوبات الغربيّة، ستحاول إيران الحصول على رساميل رجال الأعمال الخليجيين، من خلال وسائل الدفع والعملة البديلة، غير الخاضعين للرقابة الغربيّة، بخلاف ما هو الحال اليوم مع الدولار. مع الإشارة إلى أنّ هذا الرهان يتزامن اليوم مع تطبيع العلاقات ما بين إيران والسعوديّة، برعاية صينيّة لافتة للانتباه.
السعوديّة والإمارات والبحرين: تنويع العلاقات الاقتصاديّة
كما هو واضح، تسعى دول الخليج مؤخرًا، وخصوصًا السعوديّة والإمارات، إلى تنويع علاقاتها الاقتصاديّة والسياسيّة، عبر البحث عن الشراكات الاستثماريّة مع الصين بالتحديد. كما تسعى السعودية إلى بناء تعاون وتحالف وثيق مع روسيا في سوق الطاقة، من خلال تنسيق الخطوات داخل مجموعة أوبيك+.
وجميع هذه الخطوات، تعكس سعي السعوديّة والإمارات، ومعهما البحرين، إلى تقليص ارتهانهم المالي والاقتصادي وحتّى السياسي لدول الغرب، وخصوصًا الولايات المتحدة، التي كانت تُعد حليف المملكة العربيّة السعوديّة التاريخي.
هذا المشهد، يتكامل اليوم مع سعي الدول الثلاث إلى الانضمام إلى مجموعة بريكس. ومن المعلوم أن الدول الثلاث ستتمكّن من إيجاد فرص استثماريّة مغرية في دول المجموعة، في حين أن دول الخليج تنعم اليوم بفوائض ماليّة تفرض البحث عن فرص من هذا النوع، بعد ارتفاع أسعار النفط.
بالتأكيد، كل ما سبق ذكره يبقى في خانة الرهانات والتمنيات، بانتظار قمة مجموعة البريكس المقبلة في شهر تمّوز/يوليو 2023، والتي يفترض أن يتبيّن خلالها مدى استعداد المجموعة لقبول عضويّة كل هذه الدول.
كما ستبقى كل هذه التوقّعات رهينة نجاح مجموعة البريكس بإطلاق عملتها الخاصّة، ونظام التحويلات الجديد، الأمر الذي لم يحصل بعد حتّى اللحظة.
لكنّ الأكيد هو أن جميع دول مجموعة بريكس، ودول الشرق الأوسط وشمال أفريقيا التي طلبت الانضمام إلى المجموعة، تتشارك هدف خلق نظام مالي عالمي متعدّد الأقطاب، بدل ما تعتبره هذه الدول أحاديّة قطبيّة مهيمنة اليوم.