لا ينقطع الحديث حول العملية التعليمية وكل ما يشوبها من تشوهات وقصور وفشل غني عن الوصف, فكوننا أسوأ مستوي تعليم وفي أسفل القائمة وترتيبنا قبل الأخير, يجعلنا لا نحتاج إلي الدخول في أي تفاصيل. لكن المدهش هو تكرار كلمة تطوير التي يستخدمها المسئولون, فعن أي تطوير يتحدثون وما فائدة تطوير ما هو سيئ وفاشل وكيف يطلق علي أي رتوش تضاف إلي ما هو موجود أنه تطوير؟ من يطور ماذا؟ سؤال لا نفهم له أي إجابة واضحة.
البعض يطالب بنقل نموذج من البلدان التي كان تصنيفها متدنيا فيما يتعلق بالتعليم وتمكنت من تحقيق قفزة, والبعض الآخر يري بضرورة نقل تجارب بلد كبير ومتقدم في كل مناحي الحياة حتي نضمن تعليما متميزا, فيما يجد فريق ثالث أن مسألة النقل هامة, بصرف النظر عن البلد الذي سيتم النقل عنه, ولكن مع ضرورة المحافظة علي ثوابتنا وما يتناسب مع واقعنا, ولا نعرف ما هي الثوابت التي يمكن أن يهدمها نظام تعليمي متقدم؟ الأصح أن نظام تعليمنا المتخلف الحالي هو ما قضي علي ثوابتنا وقيمنا وعقولنا وحتي شخصيتنا, بداية من الاخلاق مرورا بالجهل والتجهيل نهاية بتخريج الآلاف ممن لا يمكن تصنيفهم في سوق العمل علي اعتبارهم قوة متميزة.
المسألة أكبر من مجرد الخلاف علي البلد الذي سيتم النقل عن تجربته, فالتفكير في النقل هو في حد ذاته إعلان عن فشلنا التام في تنظيم عملية تعليمية مكتملة ونافعة ومجدية, أيضا الفكرة نفسها تعكس نتيجة واحدة علينا الاعتراف بها, وهي أننا سنظل مكاننا ولا شيء سيتغير للأفضل بل سيزداد الوضع سوءا وتعقيدا, ففكرة النقل نفسها والتي ندعي تجربتها في بعض المدارس لتعميمها في حال نجاحها هي فكرة نضحك بها علي أنفسنا أو بمعني أدق يضحك بها القائمون علي التعليم علينا. فعن أي نقل يتحدثون؟ مستوي المعلم أم أسلوب التدريس أم المناهج أم عدد الطلاب في الفصل الواحد أم المعامل والأنشطة والمناخ السائد داخل المدرسة؟ وكنا أكثر تفاؤلا أو سذاجة, إذا ما نجحت التجربة فكيف سيتم تعميمها؟ وفي أي قطاع سوف نعممها( التعليم الحكومي أم الخاص أم الأزهري أم ماذا؟).
المحصلة أنه لا يوجد أي اهتمام حقيقي بالتعليم, ولا أي إرادة تذكر في حركة تنوير مجتمعية من المستحيل حدوثها إلا في ظل تعليم ناهض منذ المرحلة الابتدائية التي يتم فيها غرس قيم المواطنة والتسامح في الطفل وتعليمه كيفية الاتصال بالآخرين وبالعالم من حوله. أما ما يحدث في مدارسنا فما هو إلا معمل لتفريخ صبية وشباب غارقين في التطرف بكل أشكاله( ديني/ سياسي/ مخدرات/ عدم انتماء.. إلي أخره), وبديهي أن التعامل الأمني هو في مواجهة النتائج وليس الأسباب, وفي ظل تهاوي التعليم لدينا سوف تستمر المواجهات الأمنية ولن ترتبط بمدي زمني ولا بأحداث بعينها, وليس علينا أن نتحدث من قريب أو بعيد عن أي تقدم أو تطور مستقبلي أو حتي واقع معاش بشكل أفضل, فهل علينا أن نحيل انحدار ملف انحدار التعليم إلي المؤامرات الخارجية والداخلية مثلما نفعل مع بقية الملفات؟
لم يعد لنا أن نتحدث عن تنامي الفكر السلفي ولا عن انهيار الاخلاق ولا عن سيطرة الخرافات علي عقولنا ولا عن السلبية والتراخي ولا عن العنف الذي يسيطر علي الكثيرين, طالما عقول صغارنا يتم تجريفها وتحريفها منذ اليوم الأول الذين يلتحقون فيه بالمدرسة.