كل سنة، ومصر كلها طيبة وفرحانة بعيد الأقباط. تحتفل الكنائس بالعيد وهى محاطة بالشرطة لحمايتها، وللأسف فقد وصلنا إلى هذا الوضع المؤلم بعد تفشى الإرهاب والتعصب.
الأقباط جزء لا يتجزأ من نسيج الوطن، وحتى لا ننسى فالشعب المصرى كله كان قبطياً قبل دخول الإسلام فى مصر. الأقباط عدة ملايين، لا أحد يعرف عددهم بدقة، ويتراوح عددهم بين عشرة وعشرين مليوناً حسب ما يقوله كل جانب وكل جهة، لأنه للأسف النظام المصرى من قديم الأزل يرفض أن يظهر بدقة عدد الأقباط فى أى إحصائية بحجج مختلفة لا أدرى سببها.
معاناة الأقباط كانت شديدة لعدة قرون، ولكن الوضع تحسّن بعد أن أصبحت مصر تحكم بمحمد على وأسرته، وتحسن الوضع بعد افتتاح قناة السويس، وتم الاعتراف بالمواطنة الكاملة فى دستور 1923. وفى عصر الدولة المدنية من 1923- 1952 شعر الأقباط، لأول مرة فى تاريخهم بأنهم مواطنون لهم كل الحقوق، وعليهم كل الواجبات، وكان تمثيل الأقباط فى مجلس النواب محترماً للغاية، بانتخابات حرة نزيهة فى دوائر أغلب مواطنيها مسلمون.
بعد 1952 أصبحت الدولة المركزية أقوى، وانخفض انتخاب الأقباط إلى الصفر، مما اضطر النظام إلى ابتكار موضوع التعيين بواسطة الرئيس، وكان معظم المعينين من الأقباط. وبالرغم تراجع الأقباط تدريجياً، إلا أنهم كانوا يشعرون بالأمان بسبب انضباط الدولة وقدرتها على منع أى اعتداءات عليهم، ولكن قوانين 1961 الاشتراكية وقوانين تحديد الملكية أثرت على الأحوال الاقتصادية للأغنياء منهم، فتوقفت، وانخفضت التبرعات للكنائس والجمعيات الخيرية القبطية حتى وصل الأمر إلى أن الرئيس الراحل عبدالناصر ساعد مساعدة كبيرة فى بناء الكاتدرائية بالعباسية، بالتفاهم مع البابا الراحل كيرلس.
فى عصر السادات ظهرت، لأول مرة، حوادث الاعتداء على المسيحيين فى الخانكة، وتكررت الحوادث وازداد عنفها وزاد عدد الشهداء والمصابين واستمر الأمر فى عصر مبارك على فترات وانتشرت الأحداث فى الكشح ونجع حمادى ثم القديسين فى الإسكندرية.
وبعد ثورة 25 يناير، استمر المسلسل فى أطفيح والصعيد، وبعد 30 يونيو اشتعلت الأحداث فى عدد كبير من الكنائس التى أحرقت أو دمرت، وبعد أن استقر النظام الحالى لم يتوقف الإرهاب فى شمال سيناء، وانتقل إلى الوادى، والمستهدفون كانوا الجيش والشرطة والكنائس. الجيش والشرطة مسلحون ووظيفتهم التصدى للمعتدين، أما الكنائس، فلا يحمل أهلها سلاحاً يدافعون به عن أنفسهم. أحداث المرقسية وطنطا والإسكندرية وحلوان وغيرها كلها حوادث مرعبة استشهد بسببها أعداد كبيرة من أقباط مصر، دون سبب جنوه، وهناك اتجاه إلى توجيه الاتهام للشرطة بعدم الكفاءة. والحقيقة أن الشرطة جزء من مصر وعدم الكفاءة موجود بشدة على كافة المستويات.
إذن ما الحل؟
1. يجب رفع كفاءة الشرطة والتأكيد على التدريب المستمر لهم وتحسين تسليحهم واختيار العناصر الأكثر كفاءة فى حماية الكنائس، ولابد من اختراق الإرهابيين مخابراتياً، وهو ما فشل فيه الأمن تماماً. يجب تنقية الشرطة من العناصر المتطرفة أو المعاونة للمتطرفين، لأنهم يسهلون مهمة الإرهابيين.
2. يجب أن تقوم الكنائس بوضع أجهزة مراقبة حول الكنيسة وبالقرب منها وعلى شباب الكنيسة أن يراقبوا هذه الأجهزة طوال 24 ساعة وإبلاغ الشرطة بأى مشتبه فيه، ويجب أن يكون هناك أكثر من باب للكنيسة ليتم إغلاق الباب الداخلى عند حدوث هجوم.
3. يجب أن تتوقف فوراً ودون إبطاء جميع البرامج الدينية التى تنال من الأقباط من قريب أو بعيد، فمن غير المعقول أن يعلن أن عدد الفتاوى فى العام السابق أكثر من نصف مليون فتوى، كما يجب أن يتوقف إصدار الكتب التى تحض على كراهية المسيحيين، وكذلك الإذاعات وبرامج التليفزيون المشابهة، ومعاقبة الذين يسبون.
4. يجب إعادة النظر فى جميع كتب المدارس والجامعات بما فى ذلك الأزهر مع حذف أى مواد تحض على كراهية المسيحيين أو تشجيع العنف ضدهم، على أن يتم ذلك فوراً، مع إعادة تأهيل المدرسين وتدريبهم وتوعيتهم.
5. إلغاء فورى لجميع المجالس العرفية وتطبيق القانون بعدالة على الجميع.
6. يجب التفكير فى حلول عصرية فى المدارس الابتدائية لمشكلة فصل المسلمين عن المسيحيين فى حصة الدين بعمل حصة للأخلاق لأن الفصل بينهما فى السن المبكرة يعطى إيحاء بالتمييز للأغلبية.
7. جعل المواطنة شعاراً دائماً لكل المصريين، ويجب أن يتعلم الطفل أن المصريين جميعاً سواء، بغض النظر عن الدين أو اللغة أو اللون أو الوضع الاجتماعى.
معظم هذه الأفكار لو تم تطبيقها لن تأتى بمفعول إلا بعد سنوات طويلة، وليتم ذلك لابد من جهاز دولة كامل يقوم بالعمل بجدية، لأن فى هذه الأمور حتى لو أراد الرئيس ذلك فلن يستمع إليه أحد، والبيروقراطية المصرية والعنصرية والبغض، التى طرأت على قطاع من المصريين أكبر من أى أوامر. وليعلم المسلمون أن التفرقة والتعصب ضد الأقباط لن تؤذى فقط الأقباط، ولكنها سوف تؤذى المسلمين والوطن كله، وتؤثر فى الوضع الاقتصادى. والمسيحيون هم أبناء هذا الوطن ولهم شكل واحد وطباع واحدة منهم الفقراء ومنهم الأغنياء، المتعلمون والجهلة، الأصحاء والمرضى، ولا يوجد فارق إلا فى الدين، وهو أمر يجب أن يكون دائماً بين الإنسان وربه. الدين لله والوطن للجميع.
قوم يا مصرى مصر دايماً بتناديك