شكلت بحاضنها القحطاني أحد أبرز الناطقين باسم الجنس العربي بإمتداته الحضارية ، لم توجد في يمن ماقبل الإسلام عادات وأد البنات ولم يكن شيخ القبيلية أو القيل في الأزمنة الغابرة سوى جزء من كل لذلك النظام النخبوي الذي يعد ضمن هيكلية الدولة في الزمن القديم حيث كان المشايخ والأقيال هم ركيزة النظام السياسي الشوروي القائم حينها وهو النظام المقابل للنظام الشعبوي في أثينا القديمة ، البرلمان أو مجلس المستشارين لم يكن يتوقف في مفهومه عند قصة بلقيس ونبي الله سليمان التي يرددها البعض بكل عناء دون أن يعي دلالاتها وأبعادها السياسية كمنظومة حكم لها عمقها وبعدها الزمنكاني هذا ما حدث إبان مرحلة حكم الدويلات القوية وحتى أخر عهدها بالحكم المرتبط بأبنائها القحطانيين قبل أن يسيطر العنصر الفارسي على السلطة في اليمن والذي أزيح بالإسلام ومن ثم مجيء الولاة القادمين من الفرع العدناني العربي ، فاليمن بقصورها وسدودها الهندسية أوجدت النموذج التقدمي للدولة حتى في زمن الانحطاط لكن الشيء الذي لا ينبغي تجاهله هو أن حضارات اليمن تماهت مع الحضارات الأخرى في مراحل عدة من التاريخ ، فإبان مرحلة الدولة الرسولية كانت اليمن من أهم المراكز الصناعية في العالم في ذلك السياق التاريخي وهو الأمر الذي يجهله الكثير من اليمنيين نخباً ودهماء كل ذلك التراكم الحضاري جعل اليمن تبحث عن تحقيق ذاتيتها لتلحق بركب التطور الإنساني ” ، ولهذا وفي أثناء مايمكن توصيفه بمرحلة البحث عن الذات حدثت العديد من الانتفاضات السياسية والحركات الداخلية التي كان يراد من وراءها تحقيق الذاتية الوطنية ، من ضمنها الخروج على سلطة الدولة العباسية ، والمقاومة العنيفة للغزو العثماني لليمن وفي العصر الحديث وهو موضوع ماسيتم تناوله قاد الإمام يحيى حميد الدين المقاومة ضد الأتراك العثمانيين وعند خروجهم من اليمن اسقط الإمام كل تاريخه السياسي في المقاومة عندما قرر أن يحكم عنوتاً وألغي جميع المؤسسات الدستورية التي كانت قائمة في زمن الاحتلال العثماني مثل المجلس الاستشاري “البرلمان ” حينها وعدد من المدارس والجامعات “كليات صناعية ” وحول بعض المستشفيات إلى قصور خاصة واختزل الحكم والسلطات السياسية في شخصه ولهذا كان على الإمام النظام أن يولد تلك الظاهرة الاعتراضية الكسيحة ،فهو كحاكم يختلف جذرياً عنه كمقاوم للترك الذين كانوا يصارعون في ذلك السياق الدول الكبرى وظهور الإمام كمقاوم للترك من منطلق الرافعة ” المذهبية الزيدية ” جعلت منه يبدو وكمن لو كان يخدم القوى الاستعمارية فهو من حيث الفعل والتوقيت ظاهرة اعتراضية لكنها في كل الأحوال ليست ظاهرة صحية وإنما ظاهرة اعتراضية كسيحة ، إذ أن الإمام لم يكن واحداً من أولئك القوميين الثوريين العرب الذين ثاروا ضد التهميش والتتريك والعنصرية ” الطورانية ” وانتهى مصيرهم الى الإعدام في ساحة المرجه بدمشق على يد جمال باشا “السفاح ” بل كان معول هدم في دولة الخلافة الإسلامية من منطلق التشظي السياسي المتمثل في المراهنة على البعد المذهبي وهذا ما حدث من خلال اتفاقيتي صلح دعان التي أفضت وقادة إلى الاستقلال في العام 1918م فالاتفاقية التي وقعت في سنة 1911م كان الهدف منها لدى القوميون العرب في ذلك الحين تقوية الحالة التفاوضية والوضع السياسي لليمن أمام المحتل العثماني لكن الإمام لم يتعامل معها على هذا الأساس ومن ذلك المنطلق ، فما أن حصل على السلطة حتى انصرف للشأن الداخلي اليمني وقطع صلته بالقضايا العربية وكأن الاستقلال وخروج العثمانيين من اليمن كان ثمنا لحياديتها من الصراع الدائر بين القومية العربية والطورانية، بالرغم من الدور الكبير الذي لعبته الحركة القومية العربية لدعم اليمن من خلال المظاهرات الحاشدة التي كان الطلبة القوميون ينضموها في قلب إسطنبول دعما لنضال الشعب العربي في اليمن ففي أحد الأيام وصفت مجلة تركية اسمها ملاليت اليمنيين بأنهم شعب فاسد أخلاقيا وشره ماليا ووالى غير ذلك من الكلام البذيء ردا على المعارك الدائرة يومها خرجت مظاهرة في اسطنبول دعما لليمنيين وكانت المحصلة أكثر من أربعين شهيد عربي معظمهم من الطلبة وأكثر من أربعمائة جريح وبدلا من ذلك أثبت النظام في صنعاء انه يشكل حالة إقليمية متفردة حتى في تعامله مع الداخل اليمني من ذلك النظرة القاصرة لدى الإمام يحيى في الوطنية حيث أن الرجل الذي قاوم الأتراك أراد ان يبسط نفوذه على نجران بحجة أنها جزء من اليمن يقول الإمام يحيى في مراسلاته مع عبدا لعزيز بن سعود أن مسألة وجودكم في تهامة مسألة فيها نظر أما بخصوص نجران فهي تمثل قلب اليمن ولايمكن المهادنة فيها ، أيضا يأخذ على الأمام يحيى عدم وحدويته فهو لم يحرك ساكنا عندما طلب منه الوالي سنان باشا استلام الأراضي التي كانت تحت سيطرة الدولة العثمانية في لحج وبعض مناطق الجنوب في الوقت الذي كان يريد السيطرة على مدينة مثل الضالع لان سكانها من أصول حاشديه زيديه كما هو الحال في قبيلة يام ببلاد نجران لقد كان الإمام يحيى رجعياً بكل ما تعني الكلمة
ولتأكيد على الظاهرة الاعتراضية الكسيحة علينا الرجوع إلى الحرب المذهبية التي شنها الإمام ضد تعز وتحديدا المقاطرة وتهامة وايضا حربه على قبائل الزرانيق بتهامة والتي تصل الى حرب الإبادة البشرية .
وعندما بدأت الظاهرة الاعتراضية بالتشكل ضد الإمام يحيى لم تكن ظاهرة حقيقية تمتلك ذلك المشروع النهضوي الوطني التنويري كل ما كانت تطمح إليه ثورة 1948م هو استبدال إمام بأخر وكأن مفهوم الدولة والجمهورية أشبه “بتابو” لدى النخبة التقليدية التي قادة وكونت الظاهرة الاعتراضية / عبد الله الوزير صهر يحيي زوج ابنته أراده ثوار أماما دستوريا بدلاً عن يحيى وهذا ما يجعلنا نصف تلك الظاهرة بالكسيحة أيضاً ، قد يقول قائل وضمن الخطاب التبريري الذي أدمنه العقل العربي أن السياق التاريخي والعقل الجمعي لم تكن لديه القدرة على استيعاب الفعل ما لم يندرج في إطار ما هو مألوف وهذا التفسير يجعل ما حدث أبعد ما يكون عن الثورة وهو الأمر الذي يجعلنا نطالب بتصحيح المفاهيم كجزء من تصحيح حركة التاريخ وليس التأريخ باعتبار أن التاريخ ما هو منتهي والتأريخ ما هو متوالي ومستمر وكل ما يحدث يمكن توصيفه بأنه أحداث تأريخية يراد منها الوصول إلى الدولة اليمنية الحديثة وليس تاريخية ، ثم كانت حركة 1955م قادها عدد من إخوة الإمام أحمد الذي خلف والده في العرش بعيد مقتله في العام 1948م المرتبطين بالولايات المتحدة وحيت أن الإمام احمد كان قد بدء بالتقارب مع بعض الأنظمة القومية فقد كانت تلك الحركة التي شارك فيها و قادها أبطال حقيقيون بمثابة نوع غريب من الازدواجية في الفعل السياسي ا أدت أيضا إلى بروز الظاهرة الاعتراضية الكسيحة من جديد ، وبعيد قيام الثورة اليمنية في سبتمبر في العام 1962م لم تكن هناك ظاهرة اعتراضية صحيحة في الإطار الثوري العام للثورة لم يكن هناك مشروع ديمقراطي ليبرالي معارض يهدف إلى تصحيح بعض السلبيات في الثورة كان معارضوا الثورة هم من القبائل والقوى الرجعية والملكية وتحالفت تلك القوى مع الاستعمار والرجعية العربية والامبريالية العالمية بقيادة أمريكا ، لدرجة أن المرتزق الفرنسي الشهير بوب دينار شارك بلواء من المرتزقة الفرنسيين والأجانب وفي ذات السياق شارك عدد من ضباط المخابرات الإسرائيلية بدعم القوات الملكية وهو ما أثبته الأستاذ / سامي شرف في كتابة عبد الناصر وثورة اليمن الصادر في العام 2008م ، وبذلك شكلت كل تلك القوى ظاهرة اعتراضية كسيحة ضد ثورة سبتمبر أما في الجنوب فالدور الذي قام به المناضل الكبير قحطان الشعبي في سبيل تحرير الجنوب تم مواجهته من قبل الجناح الماركسي المتطرف في الجبهة القومية لتحرير جنوب اليمن المحتل حيث تمكن الماركسيون من تكوين ظاهرة اعتراضية أدت إلى سقوط نظام قحطان في 22 يونيو 1969م وهنا أقول حتى وان نجح الماركسيون في إطاحة قحطان فان الظاهرة الاعتراضية كسيحة لسبب أن الماركسية في الوطن العربي ليست سواء خواء فكري حقيقي وأثبتت الأيام والأحداث عدم وجود أي مشروع حضاري للجبهة القومية منذ ذلك التاريخ وحتى يومنا الحالي بفعل تمفصل ما تم طرحه كإطار أيدلوجي مع الواقع اليمني وفي هذا الإطار لا يمكن لنا أن نفصل الآلية التي جرى من خلالها تسليم السلطة للجبهة القومية على حساب جبهة التحرير التي كان لها الدور الأبرز في تحرير الجنوب فجرى تسليم السلطة لمعارضي جبهة التحرير وبالأصح للظاهرة الاعتراضية الكسيحة المتمثلة في الجبهة القومية وهي في الأصل الجناح الماركسي المنشق عن حركة القوميين العرب .
وعندما جاء القاضي الارياني إلى السلطة في الخامس من نوفمبر 1967م دخل الشمال اليمني مرحلة هي الأسوأ في تاريخه فلا دولة . ولا ثورة ولا تخطيط ولا اقتصاد رئيس طيب وإدارة منعدمة رئيس قاضي ولا حقوق للشعب وفوق هذا وذاك دخلنا فعلياُ تحت الوصاية الإقليمية الشئ الواضح أن قادة انقلاب 5 نوفمبر 1967م لم تكن لديهم رؤية للحكم كانو مجموعة من القبائل المعادية للوجود المصري في اليمن مجموعة من البعث العراقي المعروف بتحالفاته القبلية وظهر ذلك بوضوح من خلال تفجير جماعة انقلاب نوفمبر للحقد الطائفي فيما عرف بأحداث أغسطس عام 1968م ، كل ذلك عجل بقيام ثورة الثالث عشر من يونيو البعض يسميها حركة وأنا أصر على أنها ثورة وهي الظاهرة الاعتراضية الوحيدة في تاريخ اليمن السليمة لما حققته من منجزات على ارض الواقع .
ومع ذلك فقد تشكلت ضد الحمدي ظاهرة اعتراضية كسيحة وقبيحة في بنيويتها السياسية تلك الظاهرة الاعتراضية تكونت من شيوخ القبائل “الرجعية” ومن القوى التقليدية ورأس المال وبالفعل تمكنت تلك القوى وبمشاركة اقيلمية وعربية ودولية من اغتيال الشهيد إبراهيم الحمدي الأمر الذي شكل صدمة حقيقية على الصعيد العربي والدولي وجعل بعض الدول الشقيقة والمحبة لليمن سلطنة عمان والأمارات العربية في عهد الشيخ زايد تعلن الحداد عليه لأربعين يوما وبعدها جاءت مرحلة حكم الغشمي القصيرة ومن ثم علي عبد الله صالح الذي حكم من اجل ان ينتقم لصاحبه الغشمي فكان نعم القائد المنتقم على مدى ثلاثة وثلاثون عاماً .
أما الظواهر الاعتراضية الكسيحة التي واجهها نظام صالح فهي كثيرة منها على سبيل المثال حرب الجبهة الوطنية الديمقراطية من العام 1978م – 1984م ونصفها بالكسيحة لأن أخطاء القوى اليسارية في المناطق التي سيطروا عليها والتي تزيد على ال60% من ريف اليمن الشمالي كانت تلك الأخطاء كارثية ومأساوية ولهذا انقلبت الكثير من المناطق على قوات الجبهة الوطنية الديمقراطية ،بالطبع كان التحدي الأول الذي واجهه علي صالح هو الانقلاب الناصري بتاريخ الخامس عشر من أكتوبر 1978م وهو الانقلاب الذي قادته الحركة الناصرية وفشل وكانت النتيجة هي إعدام معظم قيادات الصف الأول من الحركة الناصرية مدنيين وعسكريين وتشريد أكثر من خمسة عشر ألف ناصري نزحوالى الجنوب واعتقال آلآف فكانت نكبة كبرى للحركة القومية الناصرية في اليمن ولهذا وكونها لم تحقق أهدافها برغم أنها كانت انقلابا ابيض حيث رفض قادتها تنفيذ أي تصفيات بعد سيطرتهم على مبنى القيادة العامة و التلفزيون والإذاعة ولهذا كانت ظاهرة اعتراضية كسيحة ، واستطاع صالح في العام 1984م ان يدخل في تسوية مع الجبهة الوطنية الديمقراطية ذات الاتجاه الماركسي بعدها بقرابة عقد زمني واجه علي صالح الذي أصبح رئيسا لليمن الموحد من تاريخ 22 مايو 1990م ما عرف بحرب الانفصال معظم اليمنيين كانوا مع علي سالم البيض فيما يطرح وتطوع أكثر من ثلاثين ألف شمالي للقتال معه ضد صالح لكن إعلانه للانفصال في ذكرى الوحدة جعل الناس تنقلب عليه بما في ذلك نسبة كبيرة من الجنوبيين وهكذا تحولت الظاهرة الاعتراضية للبيض وحزبه الاشتراكي اليمني إلى ظاهرة اعتراضية كسيحة كغيرها مما سبق ،ثم جاءت الحركة الحوثية التي تؤكد المؤشرات ان تحالفها السياسي مع عدو الأمس الذي شن عليها ستة حروب يجعلها تثير تساؤلات بالطبع نستطيع الجزم بكونها كسيحة فهي اخطر حتى من انفصال الجنوب وحدوث الحرب الأهلية والتدخل الخارجي شاهد عليها الحركة الحوثية تشكل ظاهرة اعتراضية كسيحة بامتياز ؟ لكن الحركة الشبابية التي بدت مترابطة وفي حالة من التماهي السياسي مع العديد مما جرى في الدول العربية ابتداء من أواخر العام 2010م ماعرف بالربيع العربي أو ثورة الشباب في فبراير 2011م هذه الثورة أثبتت بعد احتوائها من قبل التجار والقبائل والعسكر وكافة القوى التقليدية أنها ظاهرة اعتراضية كسيحة وما يدلل على ذلك الدور الذي قام به الرئيس السابق بالمشاركة مع الحركة الحوثية في إسقاط حكومة الوفاق أو نظام فبراير في الحادي والعشرين من سبتمبر الماضي ، ترى ماهي الأسباب التي تجعل الظواهر الاعتراضية كسيحة في اليمن هل أن عقلية السلطة والمعارضة تتشابهان في القمع مما يجعل المقولة الخالدة أن العالم يتقلب ولايتغير تنطبق على اليمن فالنفس ألإقصائي سائد لدى الجميع والأمثلة كثيرة على ذلك في الجنوب الجبهة القومية ذات الاتجاه الماركسي أقصت جبهة التحرير من الحكم وقبلها الاثنين أبعدو الرابطة الحضرمية عن الحياة السياسية وقام النظام الماركسي بحضر التنظيمات الناصرية في الجنوب وفي الشمال تم حضر الأحزاب ذات الاتجاه الماركسي ففي الجنوب البعث العراقي محظور من ممارسة العمل السياسي وفي الشمال البعث السوري كان محظورا في الشمال الذي تم فيه تم حضر جميع الأحزاب من عام 1962م وحتى العام 1990م وفي الجنوب الأخوان المسلمون كانوا ممنوعين وحركة محظورة وفي الشمال جميع خصومهم محظورين وشكلوا تحالفا استراتيجيا مع نظام علي عبدالله صالح استمر حتى العام 2011م ، وفي السلطة في الجنوب كان الحزب مجموعة أجنحة متصارعة الجناح الماركسي اللينيني بقيادة عبد الفتاح إسماعيل والجناح التروتسكي أو مايعرف بالديمقراطيين الاشتراكيين وهكذا اقصاء هنا وإقصاء هناك ، اخيرا تاع العالم ماجرى في اليمن اعتارا من الفاتح من ديسمر الجاري والذي قاد فيها الرئيساليمني السابق محاولة اعتراضية عسكرية لتحرير صنعاء من الحركة الحوثية انتهت بإستشهاده الأمر الذي يفتح الباب على العديد من التسأؤلات اهمها هل هناك استمرارية للحركة التي قادها علي عدالله صالح أم أنها تتحول كغيرها الى ظاهره إعتراضية كسيحة كغيرها .
• رئيس المركز الدولي للأعلام والعلاقات العامة