هل يمكن تجاهل أن اليوم هو 23 يوليو…؟ هذا مستحيل! أو على الأقل هذا ما أتصوره لمواطن من جيلى . لقد قامت ثورة يوليو وعمرى خمس سنوات وثلاثة أشهر، ولأن بيتنا كان مسيسا تماما بحكم ميول أبى- رحمه الله- السياسية، لاتزال عالقة بذهنى بعض أطياف من تلك الأيام! مثل صورة اللواء محمد نجيب ممسكا بـ «بايب» يدخنه، وهى تتصدر الصحف، بعد أن استمعنا إلى البيان الشهير الذى ألقاه باسمه القائم مقام أنور السادات من دار الإذاعة المصرية يوم 23 يوليو 1952 وهو يقول بلغة عربية سليمة متقنة .. «من اللواء محمد نجيب إلى الشعب المصرى، اجتازت مصر فترة عصيبة فى تاريخها الأخير من الرشوة والفساد وعدم استقرار الحكم، وقد كان لكل هذه العوامل تأثير كبير على الجيش، وتسبب المرتشون المغرضون فى هزيمتنا فى حرب فلسطين. وأما فترة ما بعد هذه الحرب فقد تضافرت فيها عوامل الفساد وتآمر الخونة على الجيش، وتولى أمرهم إما جاهل أو خائن، أو فاسد، حتى تصبح مصر بلا جيش يحميها…..إلخ». لم يكن أحد يعلم أن رجلا بالغ الدهاء يقف وراء هذا كله، ولكنه كان ينتظر اللحظة الملائمة للظهور اسمه البكباشى جمال عبدالناصر! والذى مالبث أن ظهر تدريجيا فى السيارات المكشوفة بجوار الأخرين، قبل أن ينفرد بالزعامة مستندا إلى شخصية كاريزمية هائلة، وقدرة هائلة على مخاطبة الجماهير بلغة عامية سهلة، اقتحمت قلوبهم بلا أى عوائق. وكنا قد عرفنا أن فاروق غادر مصر، بعد أن حاصرت قوات قليلة من الجيش قصر عابدين فى قلب القاهرة! ووفقا لما ذكره «جيفرسون كافرى» السفير الأمريكى فى مصر، فى ذلك الوقت، فإن الملك الشاب، ذا الأعوام الإثنين والثلاثين، كان مذعورا (وطبعا له الحق، ليس فقط لصغر سنه نسبيا، وإنما لما كان يعلمه غالبا من أنباء الثورات التى اعتادت قطع رءوس ملوكها!) ولكن السفير المحنك، الذى كان على تواصل مع الضباط الذين دبروا ذلك من خلال عضو الضباط الأحرار، على صبرى الذى يجيد الإنجليزية، نصح الملك بأن يغادر مصر فورا. وأرسل الضباط زميلهم صلاح سالم الذى ودع الملك الشاب فى الإسكندرية على اليخت المحروسة، بعد أن عنفه الملك لعدم وقوفه «انتباه» أمامه!.
مقالات ذات صلة
شاهد أيضاً
إغلاق