fbpx
اخبارتحقيقات

جمال طه يكتب: هجوم أوكرانيا المضاد.. والطريق نحو المفاوضات

جمال طه يكتب: هجوم أوكرانيا المضاد.. والطريق نحو المفاوضات

القوات الأوكرانية بدأت هجومها المضاد الذي حشدت له قرابة 75 ألف جندي، في 4 يونيو، لكنها – خشية الفشل- لم تؤكده سوي يوم 9 يونيو، الهجوم اتخذ شكل عمليات «استطلاع بالقوة» على محاور متعددة «جنوب دونيتسك، زابوريجيا، وأرتيموفسك»، بحثا عن ثغرة في الدفاعات الروسية، يمكن تطويرها لهجوم رئيسي.. إغراق قطاع «خيرسون» بالمياه والوحل نتيجة انهيار سد «نوفا كاخوفكا» حد من الاعتماد عليه، رغم أهميته في تحقيق الهدف الاستراتيجي للهجوم من أقصر الطرق، باستعادة «مليتوبول» والتقدم منها نحو «بيرديانسك» على بحر آزوف، وهي مسافة قرابة 90 كيلومترا. نجاح الهجوم كان كفيلا بفصل القوات الروسية في «خيرسون» و«زابوريجيا» وسط الجبهة، عن دونيتسك ولوهانسك شمالها، وبالتالي عزل شبه جزيرة القرم وجنوب خيرسون عن طريق الإمداد البري الروسي، لتقتصر عمليات الإمداد على «جسر كيرتش» الذي سبق أن ضربته أوكرانيا، وقد تعيد الكرة من جديد، غير ان إحكام الدفاعات الروسية سبب استنزافا هائلا للقوات الأوكرانية، التي كثفت هجماتها على محور «باخموت»، لسحب جزء من القوات الروسية دفاعا عن المدينة، وتخفيفا لضراوة المقاومة بقطاع زابوريجيا. تطورات ونتائج الهجوم المضاد تحقيق الاتصال البري بين شبه جزيرة القرم وإقليم دونباس كان أهم مكاسب روسيا الاستراتيجية منذ بداية الحرب، موسكو راهنت على ان إفشال الهجوم الأوكراني المضاد قد يضع نهاية للحرب، خاصة بعد نجاحها في استنزاف الدعم الغربي، بابتكار تكتيكات بسيطة تعتمد على دبابات عتيقة الطراز تم تفخيخها وتسييرها ذاتيا لعمق خطوط العدو، ما يستنزف ذخائره المضادة للدبابات، قبل تفجيرها وسط قواته، كما دفعت موسكو بأسلحة جديدة غيرت مسار العمليات، مثل طائرات الهيل «كاموف52» التي دمرت أقوى وأحدث الدبابات الغربية، والدرون «لانتسيت» التي استخدمت بكثافة وفاعلية ضد مراكز القيادة والرصد وحشود القوة البشرية ومدافع الهاوتزر ومنظومات الدفاع الجوي والرادارات وراجمات الصواريخ، وكان تأثيرها محوري رغم تكلفتها الزهيدة. روسيا واجهت الهجوم الأوكراني أيضا بدفاعات متحركة وهجمات إجهاضية، على محاور «زابوريجيا، باخموت، وسوليدار» أربكت القوات الأوكرانية، التي تعرضت لقصف مكثف بالمدفعية والصواريخ والمسيرات، استهدف المخازن العسكرية الغربية والذخائر بضربات من البحر، في ظل سيادة جوية روسية كاملة.. كما شنت هجوما جويا واسعا ليلة 19 يونيو، ضد العاصمة «كييف» ومدناً من الشرق والغرب لتشتيت الدفاعات الأوكرانية.. «كييف» ادعت دخول قواتها ثمان قري، لكنها في الحقيقة قرى صغيرة مهجورة، تقع بالشريط العازل بين قواتها والخط الأول للدفاعات الروسية، لذلك صارت واشنطن على قناعة بأن نتيجة الحرب قد تم حسمها، ولا مجال لتحقيق انتصار أوكراني. خسائر أوكرانيا في الهجوم المضاد رغم الدعم الغربي لعمليات التدريب، وإعادة تشكيل وتسليح تشكيلات أوكرانية جديدة، الا ان أدائها عكس تراجعا شديدا في الروح المعنوية للجنود، وفقدانا للثقة في إمكانية النصر، مما يفسر حالات فرار القوات فور تعرض مدرعاتهم للهجوم، تاركين خلفهم المعدات العسكرية سليمة، بخلاف حالات أخرى لاستسلام القوات بمعداتها للجيش الروسي. «بيير أنرو» الخبير الأوروبي والضابط السابق في حلف «ناتو»، أكد ان القوات الأوكرانية افتقدت عنصر المفاجأة في شن الهجوم، نتيجة كثافة الطائرات المسيّرة وأجهزة الرؤية الليلية ومعدات التنصت العسكري الروسية، والمدفعية والصواريخ التي هيمنت على ساحة المعركة، الوكالة الفرنسية نقلت عن جنود أوكرانيين أن روسيا قد سحقت معظم عربات المشاة القتالية من طراز «برادلي» التي شاركت في الهجوم المضاد، وروسيا أعلنت في 13 يونيو بأن أوكرانيا خسرت 25- 30% من حجم الأسلحة والمدرعات التي تلقتها من الغرب، إضافة الى نصف ما تمتلكه من كاسحات ألغام.. ومعهد دراسات الحرب (ISW) أكد ان أوكرانيا أوقفت هجومها المضاد يوم 19 يونيو، بهدف إعادة تقييم استراتيجيتها الحربية، قبل ان تعلن انتهاء مرحلته الأولي. المستشار الألماني أولاف شولتس، أعلن مطلع يونيو اعتزامه التواصل مع بوتين بهدف إجراء محادثات سلام لوقف الحرب، وانسحاب روسيا من أوكرانيا، الا ان الكريملين رد في 10 يونيو بأن بوتين لا يخطط للتواصل هاتفيا مع شولتز، أما ماكرون فقد عبر عن أمله في استمرار الهجوم الأوكراني المضاد ولو لأشهر، لتحقيق نجاح يسمح ببدء المفاوضات بشروط جيدة، وذلك قبل ان تتحول فرنسا الى ساحات للتظاهر والفوضى.. والواقع ان روسيا – استنادا لتوازنات القوى في المعركة- لن تخوض مفاوضات قبل تسليم الطرف الغربي بالأمر الواقع عسكريا على الأرض. * عقب النتائج المحبطة للهجوم المضاد الأوكراني قرر الغرب إنهاء الحرب، استنادا الى قناعته بتحولها لاستنزاف روسي لقدرات حلف «ناتو»، وسعيا لإثناء زيلينسكي عن رفضه القبول باقتراحات السلام التي تجمد الصراع، لأن البديل لعدم واقعية تعامله مع الأزمة هو إسقاطه.. ويليام بيرنز مدير المخابرات المركزية الأمريكية خلال زيارته لكييف في يناير 2023 كان قد حذر زيلينسكي من أنه في مرحلة ما، سيصبح الحصول على المساعدات الغربية والأميركية أصعب، خاصة بعد فوز الجمهوريين بأغلبية بسيطة في مجلس النواب. أما زيارة بيرنز الأخيرة في يونيو فقد أكدت على ضرورة بدء المفاوضات لوقف إطلاق النار مع موسكو بحلول نهاية العام، واتصل من كييف بمدير المخابرات الروسية «سيرجي ناريشكين».. «ماجوري تايلور جرين» عضوة الكونجرس الأمريكي عززت طلب بيرنز، بالتقدم بتعديل لحظر أي تمويل لأوكرانيا، حتى يتم التوصل إلى حل دبلوماسي للحرب، وكشفت عن تعديل قانون تمويل الدفاع الوطني، الذي بموجبه يمكن حظر توريد طائرات مقاتلة من طراز F-16 وصواريخ بعيدة المدى إلى كييف، مؤكدة ضرورة تعزيز السلام، لا تمويل الحرب. زيلينسكي ظل يضغط على الغرب لتقديم التزامات بانضمام أوكرانيا لحلف «ناتو» و«الاتحاد الأوروبي»، لكن ستولتنبرغ الأمين العام للحلف أكد أن ذلك مستحيل طالما استمرت الحرب، «جوزيب بوريل» ممثل الدبلوماسية الأوروبية أكد في 30 يونيو ان «أحداثا مهمة للغاية تنتظر أوكرانيا خلال الرئاسة الإسبانية لمجلس الاتحاد الأوروبي، ترتبط بتطورات متوقعة في ساحة المعركة، وكذا بمفاوضات سرية بين كييف وموسكو لإنهاء النزاع»، بعدها بيوم واحد وصل «بيدرو سانشيز» رئيس الوزراء الإسباني إلى كييف للقاء زيلينسكي، ما يعكس تعجل الاتحاد الأوروبي وواشنطن وضع حد للحرب.. لكن ميخائيل بودولياك مستشار زيلينسكي أكد أن أوكرانيا اشترطت ألا يتم التفاوض مع موسكو، الا بعد وضع شبه جزيرة القرم في مرمى الصواريخ والمدفعية الأوكرانية. خطة الهجوم القادم القوات الأوكرانية تواجه إشكالية التحرك داخل حقول ألغام روسية كثيفة، عبر مناطق مكشوفة، دون شبكات دفاع جوي ولا طائرات، ما عرضها لقصف من الأرض والسماء، ولم يعد أمامها سوي بديلين: الأول أن يتخذ الهجوم المضاد شكل هجمات محدودة، تناسب الصعوبات التسليحية والتدريبية للجيش، مما قد يسمح بتحقيق انتصارات صغيره على مدي طويل، تشكل استنزافا للقوات الروسية.. البديل الثاني محاولة قطع الجسر البري إلى شبه جزيرة القرم، بالتقدم بالمدفعية وأنظمة صواريخ هيمارس لقرب حدود شبه جزيرة القرم، بعد اختراق عميق لخطوط الدفاع الروسية. ولأن واشنطن تدرك صعوبة اختراق خطوط الدفاع الروسية، فإن الإدارة الأميركية تسعي للحصول على موافقة لإرسال أنظمة صواريخ تكتيكية من نوع ATACMS، التي يصل مداها الى 300 ميل، بعد أن كانت تتردد في إرسالها خشية استخدامها لضرب الأراضي الروسية، وبالتالي تصعيد الصراع إلى حرب أشمل وأوسع، كما تدرس تسليم أوكرانيا ذخائر عنقودية، لمضاعفة خسائر القوات الروسية. احتمالات التصعيد وتوسيع نطاق الحرب بوتين حذر من أن روسيا حال استمرار قصف أراضيها في بيلغورود، قد تضطر لإنشاء «منطقة عازلة» بأوكرانيا، بعمق يتجاوز مدى قصف أسلحتها، وهو ما يعنى سعي روسيا لاحتلال قطاع «خاركيف» من جديد، مما يفسر هجمات الجيش الروسي المكثفة على مناطق «افديفكا، مارينكا، ليمان، وسفاتوفي» على الجبهة الشرقية، وهي الهجمات التي حققت نتائج مفاجأة باعتراف الجيش الأوكراني. روسيا تسعي كذلك لدعم قواتها دون الاضطرار لتعبئة عسكرية جديدة، حيث أصدرت قانونا لرفع سن القبول في الخدمة التعاقدية لمن يحملون رتبة ضباط كبار مثل عقيد وأميرال الى 70 عاما، وبالنسبة لباقى الرتب العسكرية الى 65 عاما، والسماح بتجنيد السجناء للخدمة بموجب عقود، باستثناء الذين ارتكبوا جرائم جسيمة وخطيرة حددها القانون، كما سمحت هذه التعديلات بالتعاقد مع غير اللائقين للخدمة العسكرية!! لكن هذا الاحتمال، إضافة لتعثر الهجوم المضاد، قد يفتح أبواب جهنم على العالم، فالأمين العام السابق لحلف «ناتو» أندرس فوغ راسموسن، طرح إمكانية إرسال قوات من الحلف للقتال إلى جانب أوكرانيا، مشيراً إلى أن عدم منح كييف ضمانات أمنية حقيقية في قمة الحلف القادمة في «فيلنيوس»، يمكن ان يدفع عدد من دول الحلف الى ارسال قوات لأوكرانيا، لأن هزيمتها تهدد أمنهم القومي، والأرجح ان يتم دعم تواجد عناصر هذه الدول ضمن الفيلق الأجنبي بالجيش الأوكراني، الذي يضم عناصر من الولايات المتحدة وبولندا وغيرها من الدول الأوروبية.. لكن إمكانية تغيير هذا الاحتمال للتوازنات العسكرية، قد يعزز فرص استخدام روسيا للأسلحة النووية التكتيكية لحسم الحرب سريعا. ولعل تخوف واشنطن من احتمال استخدام روسيا للأسلحة النووية التكتيكية، يبرر تقدم عدد من أعضاء مجلس الشيوخ الأمريكي بزعامة السيناتور الجمهوري ليندسي غراهام، بمشروع قرار لاعتبار أي استخدام محتمل للسلاح النووي التكتيكي في أوكرانيا، سواء لوقف الهجوم المضاد أو كسر إرادة الشعب الأوكراني، أمرا مساويا للهجوم على حلف «ناتو»، ويستند مشروع القرار على تفعيل الضمانات الدولية التي قدمتها واشنطن ولندن وموسكو عام 1994 لأمن أوكرانيا، مقابل تخليها عن ثالث ترسانة نووية في العالم. والحقيقة ان الدرس الأوكراني عبرة لدول العالم، فلا ضمانات لأمنها القومي سوى قوة جيوشها الوطنية.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
WP2Social Auto Publish Powered By : XYZScripts.com