الأزمة الحادة الحالية الدائرة بين بريطانيا وبين روسيا هي واحدة من أعتى حروب تكسير العظام بين اتنين من عمالقة أجهزة المخابرات في العالم ، و يمكن دي أول مرة نتابع فيها حرب تجسسية ومعركة مخابراتية (أو على الأقل جزء منها) بين الدول على شاشات الفضائيات ، وبالشكل العلني ده وهي لسه فصولها لم تكتمل بعد
وعشان نعرف إيه سبب الأزمة الطاحنة دي ، خلونا نشوف الحكاية من البداية :
.
■ بطل قصتنا هو كولونيل (عقيد) سابق في الجيش الروسي والاستخبارات العسكرية الروسية اسمه «سيرجي سكريبال» (66 عام) تم تجنيده للعمل لصالح المكتب السادس (جهاز المخابرات البريطاني) او ما يعرف اختصارا بالـ MI6 منذ أوائل التسعينات ليقوم بامداد الـ MI6 بأخبار الجواسيس الروس فيي بريطانيا والدول الغربية ، وبالفعل قام سكريبال على مدار ما يزيد عن عشرة سنوات بامداد بريطانيا بأسماء شبكة هائلة من الجواسيس الروس اللي بيعملوا على الأراضي البريطانية ( أكتر من 300 جاسوس) مقابل أموال طائلة تم دفعها إليه
.
● في أواخر عام 2005 تم اكتشاف أمر الجاسوس «سيرجي سكريبال» في مدينة أزمير التركية وتم القبض عليه وترحيله إلى موسكو ليخضع لمحاكمة عسكرية سنة 2006 وتم الحكم عليه بالسجن 13 سنة بعد أن أقر بجرائمه أمام المحكمة ، كما تم تجريده من جميع الأوسمة والألقاب التي مُنحت له خلال خدمته في المخابرات العسكرية الروسية…
.
● لكن سكريبال لم يمض في السجن غير أربعة سنوات فقط بعد أن تم العفو عنه بواسطة الرئيس الروسي آنذاك ديميتري ميدفيديف في صفقة لتبادل الجواسيس ( أيوة حضرتك الدول العظمى المتقدمة بتعمل صفقات بالشكل ده لتبادل العملاء ، وده عُرف متبع من زمان) حيث كان «سكريبال» من بين أربعة جواسيس أطلقت روسيا سراحهم مقابل عشرة جواسيس روس كان قد تم القبض عليهم في الولايات المتحدة، منهم الجاسوسة الروسية الفاتنة «آنا تشابمان» اللي كان قد تم القبض عليها قبل ذلك بسنتين ، واللي حاليا بتقدم برنامح على شاشة التلفزيون الروسي .
.
● بعد الافراج عنه ، رحل «سكريبال» لبريطانيا للاقامة فيها ، وهناك تم منحه حق اللجوء السياسي ، كما منحته ملكة بريطانيا وسام الامبراطورية تقديرا له على جهوده في خدمة بريطانيا ، ليقرر «سكريبال» الاستقرار في مدينة ساليزبوري الهادئة في الجنوب البريطاني ، ومن ساعتها عاش «سكريبال» حياة هادئة بعيدا عن الأضواء مع زوجته وابنه وابنته بعد أن اشترى بيتا أنيقا في الريف الانجليزي الخلاب مستمتعا بأمواله التي حصل عليها من المخابرات البريطانية وبالمعاش الشهري الضخم اللي قررت الحكومة البريطانية صرفه له كمكافأة عن خدماته ، وفي عام 2014 توفيت زوجة «سكريبال» وابنه في ظروف غامضة ولم يبق معه في عزلته سوى ابنته «يوليا»، 33 عاما
.
● تمر الأيام لحد ما نوصل ليوم الأحد 6 مارس الجاري لما كان «سكريبال» وبنته بيتسوقوا في مركز تجاري ثم جلسا للاستراحة على أحد المقاعد ، وفي الوقت ده اقترب منهم احد الرجال الغامضين لثواني معدودة ثم ابتعد مرة أخرى ، وبعدها بعدة دقائق فوجئ رواد المركز التجاري بالرجل وابنته يسقطان في حالة إعياء شديد فاقدين للوعي ، ليتم نقلهما بسرعة لمستشفى سالزبري في حالة حرجة حيث أودعا بغرفة العناية المركزة بين الحياة والموت ليخرج بيان من ادارة المستشفى بأنها بصدد “حادث كبير” وانها تشتبه في تعرض المريضين لمادة “مجهولة”
● ولا تزال الشرطة تغلق المنطقة التي عٌثر فيها على «سكريبال» وابنته بعد أن أصيب المحقق البريطاني «نيك بيلي» الذي يعمل على القضية هو الآخر ، وتم نقله للمستشفى في حالة حرجة
.
■ المهم إن الحادثة دي قوبلت بردود أفعال غاضبة في بريطانيا بعد أن وجهت تريزا ماي أصابع الاتهام مباشرة لروسيا بالضلوع في تسميم العميل الروسي السابق ، واعتبرت ذلك بمثابة “عمل عسكري على الأراضي البريطانية” ، مشيرة إلى تعرض الكولونيل الروسي للتسميم بنوع معين من غاز الأعصاب لا تنتجه سوى روسيا ، كما أشارت ماي إلى وجود احتمال كبير في تورط موسكو في عملية تسميم الجاسوس، ممهلة روسيا حتى أمس الثلاثاء لشرح ملابسات التسمم الذي تعرض له سكريبال وابنته يوليا ، وبسؤالها عما إذا كانت بريطانيا قد تطرد السفير الروسي قالت ماي: «سنفعل ما هو مناسب… سنفعل ما هو صحيح… إذا ثبت أن الأمر نفذ برعاية دولة».
كما هدد وزير الخارجية البريطاني بوريس جونسون أن بلاده سترد “بحزم” في حال تبين أن دولة تقف وراء تسميم عميل مزدوج روسي سابق… وفي نفس السياق صرح النائب البريطاني البارز، توم توجندهات، بأن تسميم سكريبال وابنته يوليا، هو “محاولة اغتيال تقف وراءها دولة”.
.
■ مش بس كده ، دا حلف الناتو دخل هو كمان على الخط وأصدر بيان رسمي نشره الأمين العام للحلف ينس ستولتنبرج يندد فيه بالحادث معتبرا أن “الحلفاء اتفقوا على اعتبار الهجوم بمثابة انتهاك فاضح للأعراف والاتفاقات الدولية” وطلبوا من روسيا “الرد على اسئلة بريطانيا وخصوصا عبر تقديم معلومات كاملة حول برنامج نوفيتشوك لمنظمة حظر الأسلحة الكيميائية”.
.
■ واشنطن هي الأخرى دخلت على الخط لتقف بجوار حليفتها بريطانيا ولتسكب الزيت على النار ، حيث صرح وزير الخارجية الأمريكي المُقال ريكس تليرسون قبل إقالته، “بأنه يبدو أن هذا “الفعل الفاضح حقا قد ارتكب بشكل واضح من قبل روسيا”، مشيرا إلى أنه ستكون هناك “عواقب وخيمة”، كما صرحت سارة ساندرز المتحدثة باسم الإدارة الأمريكية بأن “استخدام غاز أعصاب قاتل ضد مواطنين بريطانيين على أرض بريطانية هو أمر مشين”، واصفة الهجوم بأنه “طائش وغير مسئول”
.
■ أما على الجانب المقابل فقد رفضت موسكو كل هذه الاتهامات واستهزأت بها، حيث قالت المتحدثة باسم #الخارجية_الروسية ماريا زاخاروفا، إن “هذه مهزلة في البرلمان البريطاني”، مضيفة أن تصريح نريزا ماي هو جزء من “معلومات وحملة سياسية تقوم على الاستفزاز”.
● كما قال المتحدث باسم الرئيس الروسي، في مؤتمر صحفي، إن الحادث المزعوم تم على أرض بريطانية، ومن ثم ” ليس للواقعة أي علاقة بروسيا، ناهيك عن القيادة الروسية” ، مضيفا أن لندن لم تقدم أي طلب للحصول على مساعدة في التحقيق.
● أما وزير الخارجية الروسي العتيد ، سيرجي لافروف، فقد انتقد الطريقة التي تتعامل بها بريطانيا في القضية، مضيفا إن لندن تتعامل “بتعجرف واضح في كل الخطوات التي اتخذتها تقريبا”.
بعدها ردت تريزا ماي على التصريحات الروسية واصفةً إياها بأنها حملت كثيرا من “العجرفة والتحدي” ثم دعت لاجتماع طارئ للجنة الأمن القومي المعروفة باسم “كوبرا” مع كبار ضباط المخابرات البريطانيين لمناقشة تداعيات القضية .
.
■ الأزمة لم تنتهي عند هذا الحد من التراشق وتبادل التصريحات النارية بين الجانبين ، فقد استدعت الحكومة البريطانية السفير الروسي لديها لسؤاله عن الكيفية التي تم بها إحضار غاز أعصاب روسي إلى بريطانيا ، لترد موسكو هي الأخرى باستدعاء السفير البريطاني لدى روسيا لتسلمه احتجاجها على الموقف والتصريحات البريطانية
.
■ ومع تصاعد الأزمة ، أعلنت رئيسة الوزراء البريطانية اليوم عن حزمة من الاجراءات العقابية التي قررت الحكومة البريطانية اتخاذها تجاه روسيا، شملت الآتي :
•• طرد 23 دبلوماسيًا روسيا من الأراضي البريطانية.
•• زيادة إجراءات الأمن على الرحلات الخاصة والجمارك والشحن مع الجانب الروسي
•• تجميد أية أصول لروسيا في بريطانيا، إذ وجدت أدلة على أنها قد تستخدم لتهديد حياة أو ممتلكات المواطنين أو المقيمين في المملكة المتحدة.
•• مقاطعة الأسرة المالكة والوزراء كأس العالم لكرة القدم المقرر انعقادها في روسيا
•• تعليق جميع الاتصالات الثنائية عالية المستوى المخطط لها بين المملكة المتحدة وروسيا.
.
■ ثم واصلت بريطانيا التصعيد لتطلب عقد جلسة طارئة لمجلس الأمن في الأمم المتحدة لتطلع المجلس الأممي على ” تفاصيل الهجوم الذى وقع فى سالزبرى فى 4 مارس”، ورفض روسيا تحمل أي مسئولية فى هذا التسميم رغم اتهامات لندن.
.
■ وفي نفس الاطار أعلنت الهيئة المنظمة لوسائل الاعلام المرئية والمسموعة البريطانية إنها ستنتظر نتائج اجتماع الأربعاء قبل النظر في الترخيص الممنوح لشبكة “روسيا اليوم”، معتبرة أنها أداة دعاية موالية للكرملين..
● لترد ماريا زاخاروفا ،الناطقة باسم الخارجية الروسية، على هذا التهديد البريطاني بأنه لن يُسمح لأي وسيلة إعلام بريطانية من العمل في روسيا إذا أُغلقت محطة “روسيا اليوم” في بريطانيا.
.
■ الأزمة دي أعادت للأذهان قصة تصفية الجاسوس الروسي «أليكسندر ليتفينينكو» في لندن عام 2006 بعد أن وُضعت له جرعة قاتلة من مادة البولونيوم 210 المشعة في فنجان الشاي أثناء أثناء اجتماعه مع اثنين من ضباط الاستخبارات الروسية هما «ديميتري كوفتون» ، و«أندري لوجوفوي» … وقيل وقتها في التحقيقات البريطانية أن الرئيس الروسي «فلاديمير بوتين» أمر بنفسه بقتل ليتفينينكو
• ومن المعروف عن «بوتين» أنه لا ينسى ثأره أبدا ولا يترك خائنا يفر بخيانته مهما طال الزمن
• وحتى الآن لم تنتهي فصول الأزمة… ومازال للقصة بقية
.