fbpx
اخبارتحقيقاترياضة

صحيفة ألمانية: الإخوان بألمانيا.. هكذا تبني قطر دولة دينية بأوروبا

لا يزال الصحافيان، جورج مالبرونو وكريستيان شيسنوت لا يعرفان من الذي سرّب لهما المعلومات الحسّاسة جدًا. ففي نهاية عام 2016، نشر خبيرا الشرق الأوسط المحترمان كتابًا نقديًا عن قطر ذات الثراء الفاحش. حينها وصل مظروف بدون مُرسِل إلى صندوق بريد مالبرونو مع ذاكرة تخزين تحتوي على آلافٍ من الوثائق السرية ورسائل بريد إلكترونية وتحويلاتٍ بنكية وقوائم المانحين من منظمة قطر الخيرية، أكبر وكالة مساعدات في الإمارة، والتي تنشط في أكثر من 70 دولة – بما في ذلك ألمانيا، بحسب تقرير لصحيفة “شتوتغارتر تسايتونغ” الألمانية، للكاتب ميشيل فايسينبورن.

بمساعدة هذه الوثائق المسرّبة، توصّل الاثنان إلى نتيجةٍ مفادُها أن قطر تموّل بالملايين شبكة من المنظمات على مستوى أوروبا قريبة من أيديولوجية جماعة الإخوان المسلمين المتطرفة. والهدف هو: “نشر الإسلام السياسي في أوروبا”.

يُقال إن مؤسسة قطر الخيرية قد موّلت حوالي 140 مسجدًا ومركزًا إسلاميًا بنحو 72 مليون يورو. وبحسب ما يكشفه كتاب “أوراق قطر” فإن الدولة الخليجية بهذه الطريقة تحاول التأثير على الإسلام في أوروبا. يُذكر أن هذا الكتاب تنشره دار “زايفرت فيرلاغ” النمساوية في هذه الأيام.

وفي هذا الجانب، تقول خبيرة الإسلام السويسرية سعيدة كيلر-مساهلي: “للمرة الأولى، تم نشر وثائق تُوضح كيف تدعم قطر المساجد والمنظمات الإسلامية في أوروبا”.

دعم المتطرفين بملايين اليوروهات

لعبت ألمانيا أيضًا دورًا هامًا في تصدير قطر للإسلام. أما إيطاليا فهي أكثر البلدان استهدافًا، حيث تم تمويل 47 مشروعاً. وتحتل جمهورية ألمانيا الاتحادية المرتبة الرابعة في أوروبا بعشرة مشاريع. ووفقاً للوثائق الفرنسية، فقد استثمرت قطر الخيرية أكثر من 5 ملايين يورو في 4 مشاريع بحلول نهاية عام 2016: 96 ألف يورو ذهبت إلى منتدى ميونيخ للإسلام، و400 ألف يورو إلى مسجد دار السلام في برلين، و300 ألف يورو لمسجدٍ في بلدة دينسلاكن الألمانية، و4.4 مليون يورو إلى مركز إسلامي آخر في برلين.

وفقًا للوثائق المتاحة لصحيفة “شتوتغارتر تسايتونغ” الألمانية، فإن آثار هذا الدعم وصل أيضًا إلى ولاية بادن فورتمبرغ في جنوب غربي ألمانيا، على سبيل المثال، إلى جمعية “المغرب” الثقافية في جنوب شتوتغارت، وهي جمعية تابعة لمسجد كانت تُقام فيه صلاة الجمعة – قبل كورونا – بحضور مئات المؤمنين من شمال إفريقيا والبلدان العربية. وفي عام 2015، قدّمَ رئيس مجلس الجمعية آنذاك التماسًا للمساعدة إلى “رئيس جمعية قطر الخيرية في قطر، الذي لا تُخفى عليه احتياجات المسلمين في الشتات في الدول الغربية”، بحسب ما أوردته الصحيفة.

ووفقًا للوثائق، طلبت جمعية “المغرب” في شتوتغارت منحة قدرها 110 آلاف يورو لشراء منزلٍ مكوّن من خمسة طوابق من أجل تحويله لمدرسةٍ لتعليم القرآن واللغة العربية بجانب المسجد و300 ألف يورو للترميم؛ وبلغت التكلفة الإجمالية للمشروع 1.3مليون يورو، وأجابت قطر الخيرية: “نعترف بالجمعية كشريك للتعاون”. كما التزمت جمعية “أوروبا تراست” الخيرية، وهي مؤسّسة حائزة على ثقة جماعة “الإخوان”، بتقديم الدعم القوي لجمعية “المغرب” في شتوتغارت.

آثار الدعم تصل إلى ولاية بادن فورتيمبرغ الألمانية

يبدو أن مدير المسجد الحالي، محمد الأوهابي، الذي كان في المجموعة القيادية منذ البدايات، لا يريد أن يعلم عن أي شيء مرتبط بالدعم، ويقول إنه “ليس على علمٍ بأي تبرعات” من مؤسسة قطر الخيرية. مشيرًا إلى أنه تم تمويل المسجد بمساهمات وتبرعات من الأعضاء بالإضافة إلى قرضٍ زهيد. ويؤكّد بأنه لا يوجد أتباعٌ لجماعة الإخوان المسلمين في جمعيته؛ “الراديكاليون ليس لهم عمل معنا”.

ردًا على سؤالٍ حول ظهور الداعية المتطرف أمين دالي (في نوفمبر 2018)، قال الأوهابي إنه كان في “زيارةٍ قصيرة الأجل”. لكن الأمر العجيب هو وجود كتابٌ بعنوان “الفتح الإسلامي لإسبانيا” على أحد رفوف المسجد. أليست هذه شهادة على القرب لأيديولوجية الإخوان المسلمين؟ فضلًا عن مطالبة منظّرهم الرئيسي، يوسف القرضاوي المقيم في قطر، بغزو أوروبا بالعمل التبشيري. والأمر اللّافت أيضًا أن عبد الملك هيباوي قد عَمِلَ إمامًا للمسجد من عام 2003 إلى عام 2006؛ وهو اليوم عضو في هيئة علماء المجلس المركزي للمسلمين الذي يُعتبر، وفقاً للمكتب الاتحادي لحماية الدستور الألماني، مقرّبًا من جماعة الإخوان المسلمين، ويُعلّم رجال الدين في جامعة توبنغن الألمانية. وعن الالتماس الذي وُجّه إلى مؤسسة قطر الخيرية، قال: “لا أعرف أي شيء عن ذلك”، لكن الأوساط الأمنية تفترض بأن جمعية المغرب “تنتمي إلى شبكة الإخوان”.

هنالك أيضًا قضية مشابهة للجمعية العربية الألمانية في مدينة أولم الألمانية. وبحسب الوثائق، أرسلت جمعية المسجد هذه عريضةً للقطريين، ومرفقين معها هذه العبارة “من بنى لله مسجدًا بنى الله له بيتا في الجنة”. ثم سرعان ما تطرّقوا إلى الشأن الرئيسي: “نتوسّل إليكم أن تدعمونا (…) لنتمكن من شراء منزل من منازل الله عز وجل في هذه المدينة”، ومرفقين معها تفاصيل الحساب البنكي للجمعية. جدير بالذكر أن رئيس الجمعية عبد الحق شنكوري لم يستجب للتساؤلات المتكررة من صحيفة “شتوتغارتر تسايتونغ” الألمانية، لكن الخبراء يعتقدون أيضًا أن هذه الجمعية تُمثّل مشكلة: “نحن لسنا متأكدين ما إذا كانت هذه الجمعية تنتمي إلى السلفيين أو الإخوان المسلمين”، حسبما تُشير الدوائر الأمنية.

تغلغل ديني وتضافر اقتصادي

يتفق خبيرا الشرق الأوسط جورج مالبرونو وكريستيان شيسنوت على أن ألمانيا تلعب دورًا متزايد الأهمية في سياسة قطر الخارجية، خاصةً أن المملكة العربية السعودية ودولا أخرى عزلت الإمارة بتهمة التطرّف وتمويل الإرهاب. وقال الاثنان إن “برلين كانت المدافع الأوروبي الأكثر عزمًا” من أجل قطر في “حرب الاستنزاف” هذه. وفي المقابل، وعد الأمير الشاب، الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، الذي كانت رحلته الأولى إلى الخارج بعد الحصار إلى برلين في صيف 2017، وذلك لاستثمار عشرة مليارات يورو في ألمانيا. وكان المؤيّد لذلك شخصٌ مهم، ألا وهو: نائب المستشارة الألمانية السابق، زيغمار غابرييل، الذي وصل للتو إلى مجلس الإدارة في “دويتشه بنك” الألماني وذلك بمساعدةٍ من المساهم الرئيسي، قطر.

لّا أن غابرييل لا يريد التعليق على سؤال الصحيفة. كما عارضت متحدثةٌ باسم البنك الانطباع الذي يُشير بأن العلاقات مع قطر لعبت دورًا في انتخاب غابرييل، “تم انتخاب زيغمار غابرييل كعضو مستقل في مجلس الإدارة في الاجتماع العام السنوي في شهر مايو بنسبة 98.05% من الأصوات، وليس من مساهمٍ رئيسي واحد فقط”.

ويعتقد كل من مالبرونو وشيسنوت أن التطور في ألمانيا يمكن أن يكون مشابهًا لما حدث في فرنسا، “تغلغلٌ ديني لقطر، إلى جانب تكثيف العلاقات الاقتصادية والسياسية”. ومع ذلك تنفي الحكومة القطرية دائماً أي تمويلٍ للتطرف. يقول السفير القطري محمد جهام الكواري في بيانٍ مكتوب “نحن لا ندعم أفرادًا أو أحزابًا أو حركاتٍ محددة في ألمانيا”. وأضاف بأن مشاركة بلاده في المنظمات “منسقة بشكلٍ كامل مع الحكومة الألمانية”، وأن “قطر الخيرية هي منظمة غير حكومية بل مستقلة ومقرها في قطر”.

بيرتا الاندماج تُحذّران

لكن جيوب الإمارة القطرية الممتلئة وتعاونها مع شبكة الإخوان المسلمين على مستوى أوروبا تجعل السلطات الأمنية متوترة. كما يرى حُماة الدستور أن الإخوان المسلمين أكثر خطورة من الجهاديين، فهم لا يسعون إلى إقامة دولة إسلامية ليس من خلال العنف، بل من خلال “الولوج عبر المؤسسات” قانونيًا، وفقًا لتقرير بادن فورتمبرغ الجديد حول حماية الدستور.

تقول سياسية الاندماج في الاتحاد الديمقراطي المسيحي الألماني، بيرغول أكبنار “بدلاً من السعي إلى الحوار مع المتطرفين بأي ثمن، ينبغي على المرء أن يواجههم بكل وسائل سيادة القانون وأن يُوقف تمويلهم من الخارج”. وكانت قد أدرجت بالفعل هذا المطلب في اتفاق ائتلاف الديمقراطيين المسيحيين والخضر. وأضافت “يجب تنفيذ ذلك الآن بصورةٍ متسقة”. وتحذّر خبيرة الإسلام السياسية، زيغريد هيرمان – مارشال “إذا لم يكن هناك اعتراضٌ واضح، فإن الظروف في ألمانيا ستصبح مهدّدة كما هو الحال في فرنسا”.

في نظر مالبرونو وشيسنوت، فإن الوضع بالنسبة لألمانيا متأجج للغاية: فالإخوان المسلمون في ألمانيا يستفيدون من التعاون مع الجمعيات التركية الإسلامية، وخاصةً مع حركة مِلّي غوروش المتطرفة، الذراع التركية لجماعة الإخوان المسلمين، وأيضًا الاتحاد التركي للشؤون الدينية، “والأكثر من ذلك لأن تركيا الحالية تحت حكم الرئيس رجب طيب أردوغان هي أقرب حليفٍ لقطر”.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
WP2Social Auto Publish Powered By : XYZScripts.com