fbpx
اخبارمنوعات

كيفية تكوين جيش يهودى صهيونى مع بداية الحرب العالمية الأولى

6

كيفية تكوين جيش يهودى صهيونى مع بداية الحرب العالمية الأولى

كانت المسألة اليهودية تمر ببطء وبصراعات داخلية أيضا، فكثيرٌ من اليهود لا يوافقون دائما على رؤية هرتزل السياسية، وجُل ما يخططون له هو تحسين أوضاع اليهود في أوربا والعالم، ولكن وسط هذه المجادلات تنشب مذابح لليهود في روسيا في أبريل 1903 وتستمر على فترات إلى 1906، وفي هذا السياق تنتشر في روسيا “بروتكولات حكماء صهيون” مع تهاون من الحكومة الروسية، بل هناك اتهامات لها بالضلوع في هذه المذابح ليزداد إيقاع الهجرة الكبرى إلى الغرب من جانب اليهود الشرقيين، وتبدأ بلدان أوربا في إقامة الحواجز أمام “هؤلاء الغرباء”، وهذه الأحداث هي التي شجعت على دراسة المشروع الأوغندي التي أشرنا لها سابقا، والذين وافقوا على هذا المشروع، وهم الأغلبية في المؤتمر الصهيوني، كان مبررهم كالتالي: “ففي فلسطين لا توجد أي أراضٍ شاغرة، والاستيطان اليهودي فيها مستحيل، إلا إذا تم طرد العرب، وهو أمر مستحيل أيضاً”.

وفي أروقة المؤتمر الصهيوني السابع 1905 يدور النقاش حول المسألة العربية؛ هناك من يقترح أن يقف الصهاينة مع الأتراك ضد العرب وبذلك سيتيح لهم الباب العالي الأراضي التي سيطلبونها، وهناك من يقترح التحالف مع الثورة العربية القادمة ضد الاتراك وفي المقابل يأخذون فلسطين، ولكن يرد آخر: ما الذي يجعل العرب يتخلون عن فلسطين؟ واليهود لا يملكون قوة انتزاعها منهم.

وفي هذا التوقيت تبدأ النزعة العربية في التبلور، قد يكون ضعف السلطان وفساد موظفيه جزءًا من السبب الرئيس، فالأمم تستقر دوما بالعدل، وقد يكون دليلا أن أول عمل مؤثر وتحليل غريب في صدقه ودقته وموافقته لما حدث بعد ذلك، ظهر في كتاب أحد مظاليم الإدارة العثمانية، هو الماروني نجيب عازوري الذي كان موظفا في سنجق القدس، وتم رفده، وعندما لم يجد الإنصاف بالطرق البيروقراطية الطبيعية فر إلى مصر وهاجم الدولة العثمانية بأجمعها، وكتب: “استيقاظ الأمة العربية في آسيا التركية” وسوف نورد هنا رأيه في المسألة الصهيوينة وهي كلمات تستحق كل الانتباه الآن:

7

أحداث عام (1908- 1909) قد تكون السبب الرئيسي في تبلور هوية فلسطينية عربية، يقف فيها مسيحيو ومسلمو فلسطين كجبهة واحدة في صراعات قومية أو دينية أو سياسية؛ فهناك الصراع الذي دار مع المهاجرين اليهود، يليه الصراع على الممتلكات الدينية المسيحية، وأخيرا عندما يجد المسلمون أن أعضاء جمعية الاتحاد والترقي يميزون الأتراك في الوظائف والمعاملات يبدأ الصراع السياسي مع العثمانيين.
وفي القسطنطينية تقوم حركة إسلامية ضد حكومة الاتحاد وتركيا الفتاة، يرافق ذلك اضطرابات في أنحاء الإمبراطورية، فيزحف الجيش على العاصمة ويتم عزل الخليفة عبد الحميد الثاني، وتعيين أخيه محمد رشاد باسم “محمد الخامس” سلطاناً، ويؤدي خلع السلطان إلى توتر طائفي، وفي هذه الأثناء تظهر في المستوطنات اليهودية “الهاشومير” مجموعة مسلحة يهودية منوط بها حراسة المزارع والمستوطنات، وقد استبدلوا بها الغفر “الحراسة” العربية والشركسية التي كانت تقوم بهذا الدور، والهاشومير هي ما تطورت إلى الهاجاناه والتي ستصبح الجيش الإسرائيلي فيما بعد.
أما الخطاب الصهيوني العالمي فكان يتستر على مثل هذه الاضطرابات، فالاعتراف بهذا يعني أن الانتقال إلى الوطن الجديد لم يحل المشكلة الأساسية التي كان يعاني منها اليهود، والتي كانت السبب الرئيسي لهذا المشروع (الفاشل).
تسير الأمور على نفس المنوال حتى الحرب العالمية الأولى إذ يتخللها بعض الأحداث البسيطة، فمثلا بعدما يحاول أعضاء الحركة الصهيونية في القسطنطينة صنع علاقات جيدة مع الحكومة بسبب إصدارهم لجرائد تدافع عن السلطة وتوجهاتها يقوم صهيوني فرنسي بنشر كتاب يذكر فيه هدف هرتزل الرئيسي صراحة وهو إقامة فلسطين يهودية ذات حكم ذاتي -نعم فلسطين يهودية- رغم إنكار أعضاء الحركة دائما وتأكيداتهم للسلطة العثمانية أنه ليس لديهم أي أهداف انفصالية.
وفي 1910 يعقد المؤتمر الصهيوني التاسع، وهناك إشارة لابد منها منها أن بن جوريون نفسه ومعه اثنان من رفاقه يسافرون إلى سالونيك والقسطنطينة لتعلم التركية ودراسة الحقوق، كانوا يعدون أنفسهم لعمل سياسي داخل الدولة العثمانية، أي يصبحون مستقبلا نوابًا في برلمان القسطنطينة عن الكتلة اليهودية!! هذا لا يعني إلا أمر واحد، لم يكن يدور في خيالهم أن حُلم الدولة المستقلة سيتحقق في حياتهم، لقد ذكروا في المؤتمر التاسع أنه أمامنا زمن طويل لتحقيق هذا الحلم.
وسط هذه الأحداث يدور صراع سياسي خفي بين الألمان والفرنسيين على فرض النفوذ والحماية على اليهود المهاجرين، وينتهي بصورة عامة إلى اقتسام نفوذ: لألمانيا اليهود الأشكيناز ولفرنسا اليهود السفارديم، ووسط هذه الموجات ينعقد المؤتمر الصهيوني الحادي عشر في فيينا 1913 مناقشا الصهيونية الثقافية لا السياسية، مع بعض اللوم على الصهيونية التي أصبحت حركة جمع تبرعات لإنشاء مستوطنات ومدارس، وطرح أفكار لإنشاء اقتصاد صناعي، فالاقتصاد الزراعي في فلسطين كان يعتمد على أيدٍ عاملة عربية في 80% تقريبا من أعمال المستوطنات، وينظم اليهود إضرابا لفرض اللغة العبرية الوليدة، فيعتبره الآخرون (الألمان والفرنسين) محاولة لفرض أطروحة متطرفة تتعلق بالقومية الشوفينية، وعندما يتساهل الفرنسيون معهم يلجأ إليهم اليهود لفرض حماية القنصلية على المدارس التي تقع تحت نفوذ الألمان.. وحول هذه المنطقة يثور دروز حوران على العثمانيين، وبعد قمع الحركة بقليل يتحرك بدو شرقي الأردن في ثورة مماثلة، وتموج تحركات عربية وعربية إسلامية خطيرة تحت السطح، ويظهر أن كل تحرك عربي كان مناهضا للأتراك وللصهيونية في ذات الوقت، والأسباب موضوعية عملية لا شكلية دينية كمسألة الخلافة. وأيضا نضيف أن المماهاة – وأنا أود ان أنفي فكرة المؤامرة الماسونية اليهودية على الخلافة هنا وقد يكون لنا حديث آخر لشرح الأمور -التي أصبحت شائعة بين ألمانيا وجماعة تركيا الفتاة والرأسمالية اليهودية والحركة الصهيوينة- إنما تجعل من معاداة الصهيوينة السلاح السياسي بامتياز في أيدي خصوم جمعية الاتحاد والترقي، خارجيا وداخليا، ونعني هنا الحركة القومية العربية التي هاجمتهم في كل صحفها وإصداراتها سواء في الشام أو مصر.
ويظهر جليا ضعف الدولة العثمانية تحت قيادة جمعية الاتحاد والترقي عندما تحتل إيطاليا ليبيا في 1911، وتعجز تركيا عن إرسال جيوش للدفاع عنها، فيفكر العرب أنهم الأجدر الآن بالدفاع عن الإسلام أمام الغرب وبالأخص أن فقهيًا “لا تجوز الخلافة لشخص خارج قبيلة قريش”، وتزدهر الأفكار القومية العربية، ففي نفس العام تصدر أسرة مسيحية في يافا هي أسرة العيسى، تصدر جريدة اسمها “فلسطين” وبالطبع كانت مناهضة للصهيونية وحركتها، وينعقد أول مؤتمر عربي من مناهضي الدولة العثمانية في باريس 1913. ويظهر جليا الخلاف حول الصهيونية، عرب فلسطين يحاربون الصهيوينة، وباقي العرب يرون أن هناك مجالًا للتحالف معها ضد الحكومة العثمانية.
ووسط هذه التداعيات تقوم أول الحروب العظمى في التاريخ الحديث.

8

دائما ما يثير الفلاسفة قلقي، الفلاسفة الحقيقيون، في سبتمبر 1914 يستخدم الفيلسوف الألماني ارنست هاينريش فيليب أوغست هيكل تعبير “الحرب العالمية الأولى” على الحرب التي سوف يتحدث عنها الجميع أنها آخر الحروب العظمى قبل سبت الساحرات الحقير الذي دار في الثانية، وبدون تفصيلات متشابكة دارت هذه الحرب بين القوى العظمى الاقتصادية في العالم –الاقتصاد محرك الحروب الحقيقي– في تحالفين متعارضين: الحلفاء؛ بريطانيا العظمى وفرنسا وروسيا، ضد دول المركز (المحور) ألمانيا والإمبراطورية النمساوية المجرية والدولة العثمانية ومملكة بلغاريا، كان يجب أن تكون معهم إيطاليا ولكن انسحبت بسبب خلافات داخليه، ثم انضمت هي واليابان والولايات المتحدة الأمريكية إلى الحلفاء.

عندما يعلن خليفة المسلمين الجهاد المقدس ضد الحلفاء تظهر إشكالية غريبة أمام الدول التي تقع إسميا تحت سيادة العثمانيين، فمصر تحتلها بريطانيا بالفعل منذ 1882، وهكذا حال مناطق كثيرة شرقا وغربا، وهنا تصل فرنسا وبريطانيا إلى اتفاقات أن تظل المدينتان المقدستان للمسلمين “مكة والمدينة” خارج نطاق العمليات العسكرية، مع وعد للعرب باستقلال ذاتي (لاحظ أنه لم يكن هناك حدود واضحة لبلاد العرب هذه آنذاك).

وعن حال المشرق المظلوم دوما في كل ذكر لهذه الحرب، يذكر هنرى لورنس:

“والحال أن التواريخ العامة للحرب العالمية الأولى إنما تعالج الجبهات الشرقية على أنها مسرح ثانوي، حيث إن الأعمال الحاسمة الحقيقية قد حدثت على الجبهة الأوروبية.. وهذا مما لا جدال فيه، بيد أنه يؤدي إلى غض النظر عن الدمار الذي أصاب مجمل الشرق الأدنى باتساع غير معروف في أوروبا. فإذا كانت الخسائر البشرية الرئيسية في الغرب سوف تنزل بالعسكريين، فإن الأمر لن يكون كذلك في الشرق، حيث ستصل أرقام الوفيات من المدنيين إلى مستويات مخيفة، بل كارثية إلى أبعد حد… ولن تعرف فلسطين خرابًا مماثلاً”.

شنودة الأمير

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
WP2Social Auto Publish Powered By : XYZScripts.com