شهدت مفاوضات سد النهضة بين إثيوبيا وكل من مصر والسودان خلال الأسابيع الماضية حالة من الجمود حتى في التصريحات الإعلامية.
فيما أعلنت رئيس لجنة الشؤون الأفريقية في البرلمان الإثيوبي عن طرحها لمشروع قرار أمام البرلمان للحل العادل بين الدول الثلاث… فما هدف هذا القرار وتأثيره على الحالة الراهنة بشأن عملية التفاوض؟
مناورة سياسية
قال الدكتور هاني رسلان، رئيس وحدة دراسات السودان ودول حوض النيل بمركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية بالقاهرة، إن “تقدم رئيس لجنة الشؤون الأفريقية في البرلمان الإثيوبي بمشروع قرار يحقق العدالة بين الدول الثلاث فيما يتعلق بسد النهضة هو مناورة سياسية، حيث أن إبداء المرونة أو أخذ مصالح مصر والسودان في الاعتبار لا يحتاج قرار من البرلمان، وحتى إن صدر قرار من البرلمان الإثيوبي سيكون عديم الفائدة لأن هذه مسائل فنية وتفاصيل معقدة، وأي قرار من البرلمان سوف يصدر بصيغة عامة”.
وأضاف ، أنه “من الواضح أن تلك الإشارة مقصود بها السودان، لأن موقف السودان بالنسبة لإثيوبيا أكثر أهمية، خاصة أن السودان جار مباشر ولديه حدود طويلة مع الإثيوبيين، ولديه تداخل مع البنية الإثيوبية المعقدة في الداخل، لذا لو أراد السودان التحرك فلديه أوراق بالنسبة للموقف الإثيوبي، وبطبيعة الحال وكما يعلم الجميع أن الحكومة الانتقالية في الخرطوم ضعيفة وموقفها غير مستقر في الداخل، علاوة على أن معظم أعضاء الحكومة الحالية في الخرطوم عاشوا سنوات طويلة في إثيوبيا ويطلق عليهم في السودان “مجموعة اللوبي الإثيوبي”، ويتم رصد ذلك من خلال تعاطفهم مع الموقف الإثيوبي على الرغم من أن إثيوبيا لم تعير السودان أي اهتمام وقامت بالملء الأول المنفرد، والذي أحدث ارتباكات كبيرة للداخل السوداني، ومع ذلك ظلت مواقفهم على استحياء”.
حالة من الجمود
وحول التوجيهات الإثيوبية للإعلاميين الناطقين بالعربية والمحللين الإثيوبيين للتعامل بشكل جديد مع الرأي العام العربي وتوصيل رسالة أديس أبابا، قال رسلان، إن “هذا الأمر ليس بجديد وقد قاموا بتجنيد بعض الإثيوبيين الناطقين بالعربية وغالبيتهم من ذوي الخلفية الإسلامية “الفقهية”، وهؤلاء أكثر ظهور لهم في القنوات القطرية، وهم في الحقيقة عديمي الفائدة لأنهم غير متخصصين وغير ملمين بالملف الذي يتحدثون فيه، ويقومون بتكرار الموقف الإثيوبي الرسمي بشكل “ببغائي”، وأحيانا يلجأوا لافتعال مواقف وهم لا يعرفون ماذا يقولون، ولن يسد هذا التوجه الكثير من الثغرات التي يطمحون لها”.
وأشار خبير الشؤون الأفريقية إلى أن “هناك حالة من السكون والجمود الذي يسوده شيء من الغموض، الجميع ملتزم الصمت، وهذا أمر لافت للانتباه، لأنه إن لم يكن هناك عملية تفاوضية، فما هو البديل، فكان مفترضا أن يواصل الاتحاد الأفريقي جهوده أو يعلن أنه فشل، وهنا يمكن العودة إلى مجلس الأمن أو اتخاذ أي إجراء، لكن في الحقيقة أن القضية تمر بحالة تجميد، وهذا بدوره يصب في صالح إثيوبيا.
لا تنازل عن الحق
من جانبه، قال اللواء جمال مظلوم الخبير الاستراتيجي المصري، إن “ما قيل حول تقدم رئيسة لجنة الشؤون الأفريقية في البرلمان الإثيوبي بمسودة قرار لتحقيق العدالة فيما يتعلق بمفاوضات سد النهضة، يمكن أن يكون خطوة جيدة، لكننا لا نثق في التصرفات والتصريحات الإثيوبية بشكل عام، والدليل على ذلك ما صرحت به رئيسة إثيوبيا خلال الأيام الماضية بأن سد النهضة سوف يولد الكهرباء خلال 12 شهرا”.
وأضاف ، “من البداية كنا متخوفين في مصر من دور الاتحاد الأفريقي، ولدينا شعور بأن الأمور سوف تطول في ظله، وربما يكون هناك تعاطف مع إثيوبيا”، مشددا على أن مصر وفي كل الأحوال لن تتنازل عن حقها، وإن كان هناك جمود في التصريحات في الوقت الراهن، أعتقد أن هذا قد يكون بتوجهات رئاسية لعدم إثارة الموضوع وعمل مشاكل داخلية، ويجب أن يعلم الإثيوبيين أن مصر لن تتنازل عن حقها، والعلاقات المصرية السودانية اليوم جيدة جدا، مشيرا إلى أن السودان لن تتنازل عن حقها هى الأخرى.
البرلمان الإثيوبي
يناقش البرلمان الإثيوبي مشروع قرار تقدمت به رئيسة لجنة الشؤون الأفريقية في البرلمان، كارين باس، يطالب الحكومة باتخاذ موقف عادل في مفاوضات سد النهضة بما يحفظ حقوق كل من إثيوبيا والسودان ومصر.
وعبرت باس، في مشروعها عن “قلقها حيال الظروف التي صاحبت المفاوضات بين الأطراف الثلاثة، التي دفعت الولايات المتحدة إلى خفض المساعدات الخارجية لأديس أبابا”، مشيرة إلى الأثر السلبي الذي يترتب على المجتمع الإثيوبي من جراء ذلك، وذلك حسب صحيفة “بلاك ستار” الإثيوبية.
وقالت الصحيفة، إن “مشروع القرار سيشجع الاتحاد الأفريقي على مواصلة لعب دور بناء في المفاوضات، من أجل التوصل إلى اتفاق يضمن عدم الإضرار بمصالح أي طرف من الأطراف”.
وفي 21 يوليو/ تموز الماضي، أعلنت الحكومة الإثيوبية بداية الملء الأول لسد النهضة، قبل أن تعود وتقول إن ملء السد جاء على خلفية كثافة هطول الأمطار في الهضبة الإثيوبية مما ساعد في عملية ملء السد بصورة غير متعمدة، إلا أن إتمام عملية الملء الأولى لسد النهضة، دون التوصل لاتفاق مع مصر والسودان، أثار حفيظة الدولتين.
وعلى الرغم من توقيع إعلان للمبادئ بين مصر والسودان وإثيوبيا، حول قضية سد النهضة في مارس/ آذار 2015، الذي اعتمد الحوار والتفاوض سبيلا للتوصل لاتفاق بين الدول الثلاثة حول قضية مياه النيل وسد النهضة، إلا أن المفاوضات لم تسفر عن اتفاق منذ ذلك الحين.
وبدأت إثيوبيا في تشييد سد النهضة على النيل الأزرق منذ عام 2011، بهدف توليد الكهرباء، وتخشى مصر من تأثير السد على حصتها من المياه، التي تتجاوز 55 مليار متر مكعب سنويا، تحصل على أغلبها من النيل الأزرق.