fbpx
اخبارصحة

الحب فى طوبة

الحب فى طوبة

الناس اليوم وجوههم صفراء، وملابسهم تبدو باهتة، وكأنهم على موعد مع شيء ء ما، أو كأنهم ينتظرون حدثاً جللاً، الجو أيضاً شديد البرودة، لم تستطع شمس طوبة أن تدفئ الجو، فيما مضى كانت أمي تصنع لنا الملابس الصوفية الملونة، وكانت تدعونا لارتداء الكثير منها، بعضها فوق بعض، ربما لان درجة الحرارة في قريتنا النائمة في بطن الصعيد والتي تقع على بعد ثلاثة كيلومترات من الأقصر كانت منخفضة جداً وكأن الشمس لا تشرق لدينا أو كأننا نعيش على تله من الثلوج، أزحت الكرسي الذي كنت أجلس عليه للخلف ، مددت ساق للأمام وفردت ظهري و أخذت رشفة من فنجان الشاي الذي صببته لتوي من الغلاية التي أحضرتها معي ورجعت بفكري للماضي عدة أشهر. كان من المقرر أن أسافر إلى قريتي في إجازة العيد الكبير، لكن السفر تأجل بسبب وفاة عمتي لحين إجازة العيد الصغير، و سافرت لأكتب كتابي على “مرزوقة” من حسن الحظ أنها من أبناء عمومتي، ففي بلدتنا يفضلون دائماً الزواج من الأقارب ربما من أجل الحفاظ على النسل، وربما من أجل الميراث.،تراصت البيوت على جانبي الطريق، وقد أرسلت ضوءاً زاهي البياض يشق ركام الظلمة. أخرجت صرة الأكل وبها رغيفان، وقالب جبنة قديمة، وبعض حبات من الطماطم، يبدو أن رطوبة الجو قد أثر ت على الطعام فأصيب بالعطب سريعاً.. لكنه على أية حال صالح للاستخدام الآدمي، انفرجت عني ابتسامة مباغتة على كلمة صالح للاستخدام الآدمي تلك، دعوت الجالس على الكرسي المجاور لي ليشاركني الأكل لكنه رفض بأدب جم. قلت له: السفر بالقطارت أكثر أمانا من السفر بسيارات الأجرة أو الملاكي، إن توافرت. وبدا أنه يزيح كرةً من النوم داهمته  فاعتدل في مجلسه ونظر إلى وقال حين يكون السفر في عربات الدرجة الأولى أو حتى الدرجة الثانية يكون أكثر أماناً، وأكثر راحة أيضاً من السفر بالسيارات سواء كانت سيارات ملاكي أو سيارات أ جر ة، قلت معك حق خاصة ونحن في شهر طوبة. لم أكن أعرفه من قبل لكن ملامحه الشديدة المصرية شجعتني على تبادل الحديث معه وكأنني أعرفه منذ زمن بعيد، هو أيضاً كان مسافراً لكي يكتب كتابه على ابنة عمه، تنهدت في بطء كأنني أمتص الهواء امتصاصاً.. ، نفضت صرة الأكل من نافذة العربة التي أستقلها.. طويتها ووضعتها في الكيس الذي أحضرتها فيه، تطلعت من نافذة القطار على سنابل القمح، وعيدان قصب السكر، والتين الشوكي، لم توجد لوحات معدنية على الطريق تبين المسافات، الطريق ضيق وغير ممهد تكومت فيه الاتربة لتغطي الوجوه وتغلق العيون، و كأن اليوم هو يوم القيامة ، تملكني شعور طاغ بعبثيه الأقدار، وبأن الحياة عباره عن صندوق من الاسرار، بعد نحو ساعة أو ما يزيد حاولت أن أغلق زجاج النافذة المجاورة لي، إلا أن الزجاج قد اتسعت مجاريه فلم أستطع إغلاقه، طلبت المساعدة فلم يستطع أحد أيضاً، تركته على حاله، فقط أحكمت لف العباءة الصوفية حول جسدي. في الصيف الماضي سافرت لبيع قطعة أرض كان يمتلكها أبي، رأيت “مرزوقة” بعد أن صارت شابة لأول مر ة فلم أكن قد ر أيتها منذ أن كانت طفلة صغيرة، كانت سمراء بلون الطين، جميلة كأشرعة المراكب، لها رائحة الشمس وطعم الثلج، ورغم أنها ليست في جرأة بنات العاصمة ولا ترتدي البنطلون مثلهن لكن ما أن رأيتها حتى رأيت الدنيا كلها محملة بالحياة، هي دافئة كالشتاء، معتدلة كالخريف، مشرقة كالربيع، حار كالصيف، أضافت لحياتي لوناً ومعناً ونادت على السعادة فأتت إلينا. هي فتاة فاضلة من يجدها ثمنها يفوق اللآلئ. “مرزوقة” تعلمت حتى حصلت على الشهادة الإعدادية، وعملت بعد ذلك في محل لبيع الملابس القطنية التي يفضلها السياح والمصريون معاً، علمت أنه تقدم لخطبتها شخص آخر لكن حين تقدمت أنا فضلتني عليه.. اعتدلت في جلستي كأنني أفضل خلق الله. كانت الخطبة في آخر الصيف، واليوم أنا ذاهب إليها لأحضرها للقاهرة عروساً، ولنعمر معاً بيتاً في أطراف العاصمة. أريد أن آتي لها بنجوم السماء وكنوز البحر، سوف أشترى لها بوتاجاز وماكينة لصنع القهوة و… و….. أخرجت من جيب الجلباب الذي كنت أرتديه راديو صغيرا كنت استمع اليه لم يفارقني مطلقاً خاصة أثناء رحلاتي بالقطار.. تفحصت الوجوه، استمعت الى نشرة الأخبار، طالعت الجرائد، شعرت اكتشف شيئاً يستحق التقدير، حالات الوفاة لا تقتصر على صفحات الوفيات فقط بل تمتد بطول الجريدة وعرضها. وفجأة اشتعلت النيران في القطار، ورأى صاحبنا جميع درجات اللون الأحمر، وبعد قليل أقيل وزير المواصلات ورئيس السكة الحديد ومدير………………………

ناهد صبرى 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
WP2Social Auto Publish Powered By : XYZScripts.com