قال تشرشل رئيس وزراء بريطانيا، الذى قاد بلاده إبان الحرب العالمية الثانية: «أتعاون مع الشيطان لإنقاذ بلادى»، وهى مقولة بالغة الدلالة، تؤكد أن أولوية استقرار وتقدم وازدهار الوطن، تتقدم وتعلو فوق أى أولويات أخرى.
وبإسقاط الحالة على الوضع فى مصر، تكتشف حقيقة جوهرية، أن مصر لن تتمكن من حل مشاكلها إلا عندما تتوقف عن عرض حلقات مسلسل الاستعانة بالهواة، الذين حولوا المواطنين إلى فئران تجارب، والإسراع فى الاستعانة بمحترفين لإنقاذ الوضع الاقتصادى والاجتماعى المنهار، حتى ولو اضطررنا إلى الاستعانة بمحترفين أجانب فى وضع خطط لتطوير الاقتصاد، ومواجهة الأزمات، وتطوير الجهاز الإدارى للدولة.
نعم مصر تحتاج لمحترف بقيمة وقامة الدكتور عاطف صدقى، الذى تولى رئاسة الوزراء لمدة 10 سنوات كاملة، بدأت عام 1986 وحتى عام 1996، وكانت مصر تمر بظروف حينها أخطر وأكثر تعقيدا من التى تمر بها الآن، بداية من أزمة اقتصادية ومالية طاحنة، وانهيار كامل فى البنية التحتية، بجانب 3 أزمات خطيرة أخرى، الأولى: موجة إرهابية مسلحة، حاولت النيل منه هو شخصيا عندما تعرض لمحاولة اغتيال، بجانب اغتيال الدكتور رفعت المحجوب، رئيس مجلس الشعب، والثانية: اندلاع حرب الخليج الأولى، والثالثة: زلزال 1992 الكارثى الذى ضرب البلاد، مخلفا دمار كبير وقتلى وتشريد المئات من المواطنين.
ومع ذلك، تمكن الرجل من اختيار عدد من الوزراء، خاصة المجموعة الاقتصادية استطاعت أن تضع الخطط الخمسية للنهوض بالبلاد ومواجهة كل الأزمات.
الدكتور عاطف صدقى، كان يؤمن على سبيل المثال، بأنه لا يوجد ما يسمى بأزمة «دولار»، وكان يدلى بتصريحات مقتضبة، يؤكد فيها أن الدولار لا يمثل سوى 10% من الناتج القومى، ومن ثم فإنه لا يمثل سوى هذه النسبة من احتياجات مصر الضرورية، وأن بذل الجهد فى الإنتاج والاعتماد على النفس فى سد احتياجاتنا من السلع، وتحديد أولويات الاستيراد، أمر مهم وضرورى، والحد من استيراد السلع الثانوية بقوة القانون وهى السلع الترفيهية التى تصنع أزمة الدولار.
مع العلم كانت أزمة الدولار حينذاك كبيرة، ومستفحلة ، حيث لم تكن هناك سياحة بسبب العمليات الإرهابية المسلحة، ولا تحويلات كبيرة من العاملين بالخارج، لكن الدكتور عاطف صدقى، وحكومته، كان من الكياسة والفطنة والقدرة المهنية، بما مكنه من عدم الانزلاق إلى مستنقع حرب الدولار، واختفائه، ولم يعط له أى أهمية، سواء ارتفع سعره، أو انخفض، وتفرغ فقط للبحث عن مصادر توفير الدولار والعملات الصعبة الأخرى لمواجهة احتياجات الحكومة، وتلبية التزاماتها، من تسديد ديون مصر والفوائد فى مواعيدها المحددة، وتوفير السلع الاستيراتيجة مثل القمح والزيت والشاى، إلى آخر هذه المواد الغذائية الضرورية، فضلا عن احتياجات الجيش المصرى.
أيضا كانت حكومة الدكتور عاطف صدقى تفرض ضرائب كبيرة ومتعسفة، على كل من يحاول استيراد سلع ترفيهية من سيارات فارهة، أو غيرها ليتحمل المستورد إهدار العملات الصعبة فى استيراد السلع المستفزة، عكس الحكومة الحالية، التى تتعامل «بحنية»شديدة، و«هشتكة» مع كل مستورد، وتخضع لابتزازهم وصخبهم، وترتعش من الانتقادات على مواقع التواصل الاجتماعى.
الملخص، أن حكومة الدكتور عاطف صدقى كانت تتمتع بمهنية وقدرة فائقة على الأداء، وقوة فى مواجهة الأزمات، والتعامل بشدة وقسوة فى تنفيذ القانون على المخالفين والمتلاعبين بأقوات الناس فى السوق السوداء، دون رحمة أو هوادة، ولا تلقى بالا لأية انتقادات، مهما كان مصدرها، رغم أن تلك الحكومة تعرضت لحملات نقد شديدة.
إذن المقارنة بين حكومة الدكتور عاطف صدقى، وبين كل حكومات ما بعد ثورة 25 يناير 2011، كأنك تقارن بين العبقرى الملياردير «بيل جيتس» مؤسس «مايكروسوفت» ، وبين «بائع متجول» فى العتبة.. وللحديث بقية.