أشعر أن تلك الأيام لا لون فيها ولا رائحة من عبق الماضي ذلك الماضي نفتقده ونشعر بالحنين إليه حتى تلك الأجيال التي لم تعش ولم تلحق بأواخر ذكرياته وفقط سمعت عنه تشتاق لبعض لحظاته ذلك الزمن الجميل عاشه أجدادنا وأبائنا و بعض شباب تلك الأيام فبالنظر إلى أحوال مصر خلال الستين عاما الماضية سيلاحظ تغير شاسع وفوارق أخلاقيه وتباين مجتمعي شديد، ذلك المجتمع الذي كان يتانق بأبهى حله له ليكون جزءًا من لوحة فنية طربية مع عظماء الفن، فالإستمتاع كان حاضرا في معادلة مكتملة الأركان وبعد تلك اللوحه يذهب الجميع إلى عشه فالسيدات المتأنقات بأحدث صيحات الموضه يخرجن ويمشين في الشوارع دون مضايقات أو معاكسات، فكانت المعاكسات وليس التحرش في الماضي جرما عظيما عقابه كان وقتيا بــــــــ(علقة سخنة) حيث كان الشارع يعتبر كل فتاة وكل أمراة هي عرضة وشرفه واجب حمايتها وإحترامها نفس ذلك الشارع بمرور الزمن صارت فيه الانثى هي الجانية والمجني عليها بالمعاكسات والشارع أعمى، إصم بلا أي رد فعل.
مثل أيامنا هذه حيث تحول الفن إلى عري وابتزال وإعادة لتجسيد الماضي ولكن بطريقة تهين الحاضر والماضي ليست هنا مقارنه بين الأن والماضي بل شعور يملأني مثلما يملأ العديد من الناس كلنا نشتاق لهذا الزمن الجميل ، الزمن التي كانت فيه الأخلاق سائدة بدون برامج التوك شو ووسائل التواصل الاجتماعي التي تروج للأخلاق والعكس فهناك شعور بوجود خلل ما، فقديما كان من الصعب أن ترى سيدة أوكهل يقف في أي وسيلة مواصلات حيث كان الشباب يتصارع على جلوسهم لأن ذلك كان عيبا أخلاقيا يؤرق ضمائرهم ، ايضا على سبيل المثال عجبتني بعض نصائح مصر القديمة فيقول الحكيم بتاح حتب: الظلم موجود بوفرة، ولكن الشر لا يمكن أبدًا أن ينجح على المدى الطويل. لا تكن فخورًا بمعلوماتك، استشر الجاهل والعارف، وهو ما يقابل في ثقافتنا العربية: ما خاب من استشار، وشاور صغيرك وكبيرك. لا تثرثر مع جيرانك، فالناس تحترم الصامت. في الاستماع فوائد للمستمع.لا تتحدث إلا عندما يكون لديك شيء يستحق أن تقوله. كم هو رائع الابن الذي يطيع والده. لا تلوم أولئك الذين ليس لديهم أطفال، ولا تنتقدهم، ولا تتفاخر بأنه لديك أطفال. لا تردد الشائعات، ولا تستمع إليها.
ولكن الآن تحول الحال. فحدث ولا حرج حيث أصبح قدوة الشباب والاجيال الصاعدة البلطجي وتاجر السلاح والفاسد وبات التدخين هو رمز الرجولة الأول وهذا ما تربى عليه الجيل الصاعد إلا ما رحم ربي فما الذي ننتظره حتى البيوت المصرية إختلفت شكلا ومضمونا فأيام الخير و البركة كانت الشوارع بكل من فيها بإختلاف الطبقات والجنسيات والديانات في ترابط إجتماعي عظيم حيث كانت المحبة والأخلاق هي عنوان تلك الأيام، فقديما كانت تتسم بالوفاء والإخلاص والإحترام المتبادل بين الصغير والكبير وبين الرجل والمرأة كانت العلاقات قديما مترابطه إلى حد كبير تظهر خلال الاحتفالات الرسمية والاجواء الدينية ، والاحتفالات لا تفرق بين الأديان فكلهم يحتفلون معا في الأعياد فالفرح يظهر على الكل ويشعر به الكل وللتدليل على ذلك نذكر شهر رمضان الكريم وطقوسه التي نلاحظ إنها تغيرت في أيامنا هذة فقديما كان هذا الشهر له أثرا وطعما خاصا من الزينه مرورا بصانعي الكنافة والقطايف بحلتهم القديمة وليس بما إستحدثوه الأن والأطفال في الشوارع فرحين و”صاجات” الكحك والبسكوت …الخ إيذانًا بإقتراب العيد وفرحة لبس ومظاهر العيد والبهجة نأتي لأيامنا هذة فنجد أن “العيله” ليست كمان كانت بالماضي ، وأن عمارة أوبيت لا يعلم فيه الجار من هو جاره ولا يعلم سكان الطابق الواحد معلومة عن من يجاورهم اختصارنا المناسبات والمظاهر الإجتماعية في جملة ” كل واحد في حاله” وأصبحنا مفككين غير مترابطين نشتاق للمة زمان ، فقدنا هويتنا وفقدنا ما كان يميزنا وإنسقنا خلف أهوائنا الشخصية وبدأنا في تقليد المناسب والغير مناسب لنا مجتمعيا، كلامي السابق ليس ضد التطور ولكن لابد من الحفاظ على مبادئنا وتراثنا ولنا في اليابان مثال وقدوة فبالرغم من الحداثة والثورة التكتولوجيا الرائعة لا تزال اليابان تعتز بحضارتها وثقافاتها ولازال الزي الرسمي لها ” الكيمونو” كوسيلة للربط بين الماضي والحاضر فلماذا تقليدنا أعمى لا يفيدنا بشئ، فنحن نمتلك ماضي عظيم نعطش للحنين إليه ونشتاق له فلماذا لا نعيد بعثه فينا وفي الأجيال القادمة . سؤال يستحق التأمل والتفكير .
نقلا عن صدى البلد