نقلا عن شام نيوز
ساعات قليلة بحسابات الوقت، طويلة بحجم الأحداث، هى تلك التي ارتقت فيها أرواح شهداء الشرطة المصرية إلى السماء، وظل من بقى منهم في تبادل لإطلاق النيران المستمر، والتعرض لضربات من الأسلحة الثقلية، وهي ذاتها الساعات التي كادت أن تتوقف فيها دقات قلوب أمهات خوفاً على أبنائهن.
“135” هو الرقم الثابت في تلك الساعات مع متغير أرقام الشهداء والجرحى، حيث وقعت الأحداث في الكيلو “135” بطريق الواحات، في محافظة الجيزة المصرية، والذي اقتنص فيه رصاص الإرهاب أرواح شهداء الوطن والواجب، وبحسب ما ذكره البيان الرسمي الصادر بعد قرابة 24 ساعة فإن عدد الشهداء 16 ما بين ضابط ومجند، بخلاف الجرحى.
كانت المعلومات قد وصلت إلى الأجهزة الأمنية المصرية تفيد بوجود عدد من العناصر الإرهابية في إحدى النقاط بصحراء الواحات غرب مصر، حيث يعدون لتنفيذ مجموعة من العمليات الإرهابية في توقيت واحد، وبقوة تدميرية عالية، فقررت الأجهزة الأمنية توجيه ضربة استباقية لتلك العناصر إحباطاً لمخططهم الإجرامي، وهنا كانت الساعات الدامية، حيث وجدت القوة الأمنية المصرية نفسها محاصرة بنيران العناصر الإرهابية التي من الواضح إنها كانت على علم مسبق، أو أن لديها على أقل تقدير إستطلاع على الطريق، فأعدت العدة لتنقلب العملية من إحباط مخطط إرهابي لفخ عملية إرهابية كبرى .
في واقع الأمر فإن صحراء الواحات، غرب مصر، ليست خالية من الإرهاب وعناصره، كما يتخيل البعض من أن الأمر يتمركز في شمال سيناء، فصحراء الواحات تمتد للحدود الشرقية للدولة الليبية، والتي صارت وكر للعديد من الجماعات الإرهابية المتقاتلة، وهو ما جعل صحراء غرب مصر امتداد جغرافي لتلك الجماعات، ومع الحرب التي تخوضها الدولة المصرية ضد الإرهاب صارت الواحات مسرحًا ومقرًا لبعض تلك العناصر الأكثر تدريباً وتسليحاً بحكم الحدود المفتوحة.
“أبو عمر المهاجر” هو الاسم الحركي لـ”هشام علي عشماوي مسعد إبراهيم” قائد ومؤسس تنظيم “المرابطون في ليبيا” الإرهابي،الموالي لتنظيم القاعدة في المغرب العربي، “المهاجر” أو “عشماوي” هو الاسم الأكثر تردداً حين وقوع حوادث إرهابية كبرى في صحراء الواحات المصرية، وهو الإرهابي الذي وردت المعلومات للأجهزة الأمنية المصرية بتجهيزه لمخطط إجرامي كبير، فتحركت القوة الشرطية المصرية لإحباط مخططه وإلقاء القبض عليه.
جاءت كنيته بـ”المهاجر” إذ إنه لم يرد ربط اسمه بمكان محدد كغيره من العناصر الإرهابية، فيرى عشماوي في نفسه مهاجرًا في الأرض، انتقل من مصر إلى تركيا ومنها لسورية، ثم عاد لمصر ومنها إلى ليبيا، حتى صار تمركزه في صحراء مصر الغربية، وتحديداً بالواحات.
هو ضابط مفصول من القوات المسلحة المصرية برتبة مقدم في عام 2011، حيث كان التحاقه بالجيش المصري في نهاية التسعينات كمقاتل بسلاح الصاعقة، نظراً لكفاءته وتفوقه الجسدي والمهاري، ثم رصدت الأجهزة المصرية تشدداً دينياً لعشماوي، مما أدى إلى تركه سلاح الصاعقة – عقب إحالته للنيابة العسكرية – ونقله إلى الأعمال الإدارية بعام 2000، ثم أُحيل إلى القضاء العسكري عام 2007 بتهمة التحريض ضد الجيش، وصدر الحكم باستبعاده نهائياً من القوات المسلحة عام 2011.
وتصادف أن بهذا التوقيت لإستبعاده كان الحراك الأنشط للعناصر والجماعات الإرهابية، مما ساعد – وبحكم قدرات عشماوي – على تشكيله لإحدى الخلايا الإرهابية، وأثناء حكم جماعة الإخوان المسلمين سافر إلى تركيا ومنها تسلل لسورية بإبريل/نيسان 2013، ومع سقوط محمد مرسي من رئاسة مصر، عاد عشماوي ليشارك في إعتصام “رابعة العدوية” المسلح، ولم يجد حين فضه إلا معسكرات “درنة” بليبيا للهرب المؤقت.
شكل مع 4 ضباط شرطة مصريين مفصولين خلية إرهابية تابعة لـ”أنصار بيت المقدس”، والذي بايع تنظيم “داعش” وغير اسمه إلى “ولاية سيناء”، وفي يوليو/تموز 2015 أعلن عشماوي إنشقاقه عن تنظيم “داعش” مؤسساً “المرابطون في ليبيا”، ليكمل بها جرائمه الإرهابية بمصر وضد القوات المسلحة والشرطة المصريين.
الإرهابي المهاجر، لم يذكر اسمه إلا في الوقائع الارهابية الكبري، فقد أتهم بمحاولة إغتيال وزير الداخلية المصري الأسبق اللواء محمد إبراهيم، واغتيال النائب العام المصري المستشار هشام بركات، وكان “المهاجر” هو الاسم البارز في مذبحة كمين الفرافرة يوليو/تموز 2014 والتي راح ضحيتها 22 مجنداً مصرياً، حيث كان قائد خلية التنفيذ، وهي الواقعة التي حدثت بصحراء غرب مصر، وكذلك كان “المهاجر” شريكًا في إرتكاب مذبحة العريش الثالثة والتي عرفت بإسم”الكتيبة التي تم استهدافها “101” وراح ضحيتها 28 من رجال الجيش المصري، وفي مايو/ أيار 2017 ظهر اسمه في حادث الإعتداء الإرهابي على حافلة الأقباط والتي راح ضحيتها 29 غالبيتهم من الأطفال.
إن ذلك المهاجر ما بين مشرق مصر ومغربها، وما بين تركيا وسورية وليبيا، والذي ولد عام 1978، صار اليوم ضمن قائمة العناصر الإرهابية الأكثر خطورة بمصر، حيث يرتبط اسمه دوماً بالحوادث الإرهابية الكبري التي تستهدف رموز ورجال الدولة، أو التي يروح ضحيتها العشرات.
“المهاجر” و”البغدادي و”الجولاني” وغيرهم الكثير، عناصر الشر العابرة عبر أقطارنا، بأجسادهم وتنظيماتهم التكفيرية، يزهقون الأرواح، ويتركون من خلفهم الدمار والجرحى، تختلف اسماءهم، وتبقى غايتهم واحدة، أن يظلوا خَدماً في معسكرات أسيادهم ممن يدفعون لهم بالدولار والريال والدينار والدرهم.
إن حربنا ضد قوي التكفير والإرهاب لا تتطلب منا التنسيق بين الأجهزة الأمنية والعسكرية في البلد الواحد، وفقط، بل لزاماً علينا خوضها حرباً عربية مشتركة ضد التنظيمات الإرهابية ومن يدعمها، فالداعم والمُخطط واحد، والتنظيمات واحدة تتنقل بين بلداننا العربية، إن ذات اليد التي قتلت الجندي بالجيش العربي السوري، جاءت إلى مصر لتقتل الجندي بالجيش المصري وبنفس السلاح، فإذا كنا نبحث عن الحل الصحيح فمن المؤكد إننا سنجده في حرب واحدة ضد الإرهاب.