قضت محكمة النقض برفض الطعن المقدم من النيابة العامة على براءة كلا من أنس أحمد نبيه الفقي، وزير الإعلام الأسبق، ويوسف رؤوف بطرس غالي، وزير المالية الأسبق، وأيدت الحكم الصادر من محكمة جنايات القاهرة ببرائتهما في الجناية رقم 10874 لعام 2011، والمتهمين فيها بإهدار مبالغ مالية تقدر بـ 36 مليون جنيه من أموال الدولة بتحقيق كسب غير مشروع باستغلال مهام منصبهما.
وسردت المحكمة تفاصيل القضية، حيث أن المتهمان خلال عام 2010 بدائرة قسم بولاق أبو العلا، أضرا عمدًا بأموال ومصالح جهتي عملهما ضررًا جسيمًا؛ حيث طلب المتهم الأول أموال من وزارة المالية لصرفها على الحملة الإعلامية للانتخابات البرلمانية والرئاسية واستطلاع الرأي عليهما والدعاية لأعمال الرئاسة في الفترة من 1981 حتى 2010، ولأعمال الحكومة من 2004 حتى 2010، فوافقه المتهم الثاني على ذلك بتعزيز موازنة وزارة الإعلام بمبلغ 36 مليون جنيه من أموال قسم الاحتياطات العامة المدرجة بالباب الثاني بموازنة الدولة الخاص بالسلع والخدمات.
وأضافت أن المتهم الأول صرف مبلغ تجاوز التسعة ملايين جنيه من هذه الأموال بالمخالفة لأحكام قانون الموازنة العامة رقم 53 لسنة 1973، والمعايير المحددة لأوجه الإنفاق العام المعتمدة من مجلس الوزراء التي قصرت الإنفاق من أموال ذلك القسم على مواجهة المتطلبات الحتمية القومية والطارئة والالتزامات المستجدة دون الأغراض التي تم الصرف عليها، وبالمخالفة للقانون رقم 38 لسنة 1972 بشأن مجلس الشعب وقانون الانتخابات الرئاسية التي تحظر استخدام المال العام في الإنفاق على أغراض الدعاية الانتخابية.
ونعت النيابة العامة في حكمها بأنه شابه الفساد في الاستدلال والخطأ في تطبيق القانون؛ لأنه لم يحط بأدلة الثبوت؛ حيث استند في قضائه على أحكام قانون اتحاد الإذاعة والتلفزيون رقم 13 لسنة 1979 ولم يشر إلى وجود صلة بينه وبين الأفعال المسندة للمتهمين بإنفاق أموال الدولة على الدعاية الانتخابية، حيث اعتبر أن ذلم القانون أعلى مرتبة من القانونيين رقمي 38 لسنة 1972 بشأن مجلس الشعب، و74 لسنة 2005 بشأن الانتخابات الرئاسية.
وأضافت النيابة أن الحكم استند في قضائه إلى أن طلب المتهم الأول المال العام تم بموافقة رئيس مجلس الوزراء، رغم أن دور الأخير اقتصر على إحالة الطلب إلى المتهم الثاني وإقرار لجنة الانتخابات لبرنامج الدعاية الانتخابية رغم ان ما عرض على تلك اللجنة هو بيان الأطر العامة لمفهوم الدعاية الانتخابية وانتفاء تواطؤ المتهم الأول في ارتكاب الواقعة رم ان المنسوب له يجعله فاعلًا أصليًا في الجريمة لا مجرد شريك او متواطىء.
وردت محكمة النقض على ذلك بأن الحكم الطعون فيه حصل واقعة الدعوى وأحاط بعناصرها ووازن بين أدلة الثبوت والنفي فيها، كما أنه من المقرر أنه لا يلزم لصحة الحكم أن يكون الدليل الذي تستند إليه المحكمة صريحًا ومباشرًا في الدلالة على ما تستخلصه منه بل لها أن تركن في تكوين عقيدتها عن الصورة الصحيحة لواقعة الدعوى إلى ما تستخلصه من جماع العناصر المطروحة بطريق الاستقراء والاستنتاج طالما استخلاصها سليمًا لا يخرج عن الاقتضاء العقلي والمنطقي، وكان يكفي أن يتشكك القاضي في صحة إسناد التهمة إلى المتهم حتى يقضي بالبراءة.
وأكدت المحكمة أنه لا يعيب الحكم أن تكون محكمة الجنايات أغفلت عن الرد على بعض أدلة الاتهام؛ فهي غير ملزمة في حالة القضاء بالبراءة بالرد على كل دليل من ادلة الثبوت ما دام انها رجحت دفاع المتهم او داخلتها الريبة والشك في صحة عناصر الإثبات، فالأمر كله يرجع إلى وجدان القاضي وما يطمئن إليه، فإثارة ذلك من قبل النيابة العامة أمام محكمة النقض لا يعدو كونه جدلًا موضوعيًا.
وأضافت الحيثيات أن الخطأ القانوني في الحكم بالبراءة – بفرض ثبوته – لا يعيبه ما دام قاضي الموضوع قد عول في تكوين عقيدته بتبرئة المتهمين على عدم وقوع الجريمة المسندة إليهما وذلك بعد ان ألم بأدلة الدعوى ووزنها ولم يقتنع وجدانه بصحتها مما لا يجوز معه مصادرته في اعتقاده فإن تعييب الحكم المطعون فيه الخطأ في تطبيق القانون يكون غير سديد.
واستندت المحكمة أيضًا على المادة 11 من قانون الإجراءات الجنائية؛ حيث أن حق التصدي هو حق خوله الشارع لمحكمة الجنايات لها أن تستعمله متى رأت هي ذلك ولكنها غير ملزمة بفعل ذلك، فإن طعن النيابة العامة على الحكم بالخطأ في تطبيق القانون في هذا الشأن يكون غير سديد ويكون الطعن المقدم من النيابة العامة برمته على غير أساس متعينًا برفضه موضوعًا.