منوعات

تهميش الأحزاب للأقباط في مصر: بين الواقع السياسي والتحديات الاجتماعية

يُعد تهميش الأقباط في الأحزاب السياسية المصرية واحدًا من الإشكاليات المستمرة التي تعكس تعقيدات المشهد السياسي والاجتماعي في مصر. على الرغم من أن الأقباط يشكلون نسبة لا بأس بها من السكان (تُقدر بنحو 10%)، إلا أن دورهم في الحياة الحزبية ظل محدودًا، سواء في الترشح للانتخابات أو تولي مناصب قيادية داخل الأحزاب. هذا التهميش ليس ظاهرة حديثة، بل يمتد جذوره إلى عقود، متأثرًا بعوامل سياسية وثقافية ودينية.

جذور التهميش التاريخي
في العصر الليبرالي قبل 1952، كان للأقباط حضور بارز في الأحزاب، خاصة في حزب الوفد الذي تبنى شعار “الدين لله والوطن للجميع”. لكن مع صعود النظام الناصري وتأميم الحياة السياسية، بدأ تراجع المشاركة الحزبية بشكل عام، وتأثر الأقباط بهذا التحول. في عهد السادات، ومع تصاعد الخطاب الإسلامي في السياسة، أصبحت الأحزاب أكثر ميلاً لاستقطاب الناخبين عبر الهوية الدينية، مما قلل من فرص الأقباط في الترشح أو التمثيل. حتى في عهد مبارك، كان الحزب الوطني الديمقراطي، الحاكم آنذاك، يميل إلى تعيين أقباط في مقاعد رمزية بدلاً من دمجهم في هيكله التنظيمي بشكل حقيقي.

واقع الأحزاب الحالي
في الوقت الحاضر، تستمر الأحزاب المصرية في تهميش الأقباط، سواء عن قصد أو نتيجة ديناميكيات السوق السياسي. الأحزاب ذات التوجه الليبرالي، مثل حزب المصريين الأحرار أو الوفد الجديد، قد تضم أقباطًا في عضويتها، لكن نادرًا ما يتم ترشيحهم في دوائر تنافسية، خوفًا من ردود فعل الناخبين في المناطق ذات الأغلبية المسلمة. أما الأحزاب ذات التوجه الإسلامي، مثل الحرية والعدالة في الماضي، فقد كانت تُظهر تجاهلاً شبه تام للأقباط، إما لأسباب أيديولوجية أو لعدم رؤية جدوى سياسية في ضمهم.

حتى الأحزاب التي تدعي الحياد الديني مثل الجبهة الوطنية اللي مافيش فيه قيادة واحدة مسيحي غالبًا ما تقع في فخ “التوازنات الطائفية”، حيث تُخصص مقاعد رمزية للأقباط دون منحهم دورًا فاعلاً في صنع القرار. على سبيل المثال، في انتخابات 2020، لم يتجاوز عدد المرشحين الأقباط الناجحين من خلال الأحزاب نسبة ضئيلة، وكان معظمهم مدعومين بقوائم موالية للدولة وليس بجهود حزبية مستقلة.

أسباب التهميش
1. الاعتبارات الانتخابية**: تعتقد العديد من الأحزاب أن ترشيح أقباط في دوائر مختلطة قد يُضعف حظوظها بسبب الانقسامات الطائفية المحتملة بين الناخبين، مما يدفعها إلى تفضيل مرشحين مسلمين لضمان الفوز.
2. ضعف المشاركة القبطية**: يميل بعض الأقباط إلى الابتعاد عن السياسة الحزبية، إما بسبب شعور بالتهميش المسبق أو تفضيل الاعتماد على الكنيسة كممثل رئيسي لهم، مما يقلل من ضغطهم على الأحزاب لإشراكهم.
3. الثقافة السياسية**: لا تزال السياسة في مصر متأثرة بثقافة ترى الدين كعامل حاسم في الهوية السياسية، مما يجعل الأحزاب مترددة في الترويج لمرشحين أقباط خوفًا من اتهامها بـ”التغريب” أو فقدان شعبيتها.
4. غياب الإرادة السياسية**: حتى الأحزاب التي تدعو إلى المساواة نادرًا ما تضع خططًا ملموسة لدمج الأقباط في هياكلها أو برامجها، مما يجعل التهميش نتيجة طبيعية للتقاعس.

تداعيات التهميش
تهميش الأقباط في الأحزاب يؤدي إلى تعميق شعورهم بالغربة السياسية، مما يقلل من ثقتهم في النظام الديمقراطي ويعزز اعتمادهم على الكنيسة كبديل. كما أنه يضعف من فكرة المواطنة المتساوية التي تتبناها الدولة رسميًا، ويُظهر تناقضًا بين الخطاب الرسمي عن الوحدة الوطنية والممارسات العملية للأحزاب. على المدى الطويل، قد يؤدي ذلك إلى انقسامات اجتماعية أعمق، خاصة إذا شعر الأقباط بأن أصواتهم لا تُسمع إلا عبر قنوات غير سياسية.

حلول مقترحة
للتغلب على هذا التهميش، يمكن للأحزاب اتخاذ خطوات عملية مثل:
– *ترشيح أقباط في دوائر تنافسية*: بدلاً من حصر ترشيحهم في مقاعد الكوتة أو الدوائر الآمنة.
– *تطوير برامج تدريب سياسي*: لتأهيل شباب الأقباط للعمل الحزبي والقيادة.
– *تغيير الخطاب الحزبي*: للتركيز على الكفاءة والمواطنة بدلاً من الهوية الدينية.
– *دعم تشريعي*: مثل تخصيص نسبة من المقاعد الحزبية للأقباط ضمن القوائم، مع ضمان دورهم في صنع القرار.

خاتمة
تهميش الأحزاب للأقباط في مصر ليس مجرد مشكلة سياسية، بل هو انعكاس لتحديات أعمق تتعلق بالثقافة والمجتمع. مع اقتراب انتخابات 2025، تتاح فرصة للأحزاب لإثبات التزامها بالتنوع والمساواة من خلال دمج الأقباط بشكل حقيقي في هياكلها وبرامجها. إذا نجحت في ذلك، لن تكون قد أعادت الأقباط إلى قلب العملية السياسية فحسب، بل ستكون قد ساهمت في بناء مجتمع أكثر عدلاً وتماسكًا.

بكتب هذا من أرض الواقع وهستمر اكتب في هذا الملف وارجو التفاعل من جميع اصدقائي
وائل كمال

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى