رسمت سورية خارطة جديدة، ليس على مستوى العلاقات الدولية والإقليمية، فحسب، بل أعادت رسم خارطة القوى العسكرية، لتلقي بالرعب وسط دهاليز الإستخبارات الصهيونية والغربية، وهو ما يعني أن هناك العديد من الأوراق يعاد ترتيبها من جديد بموجب تلك المتغيرات على الساحة العسكرية، وهي تغيرات تعلن صعود سورية ومعها محور المقاومة الذي صنع الانتصارات من قلب الهزيمة.
دون شك فإن الصمود السوري على مدار أكثر من سبع سنوات متواصلة كان له الفضل الأول في إعادة ترتيب الأوراق السياسية، فتم عرقلة المخطط الصهيوامريكي لتقسيم المنطقة، وعبرت دول بر الأمان بسبب ذلك الصمود السوري – حتى وإن لم تعترف تلك الدول – وتغيرت خارطة التحالفات الدولية والإقليمية، لتصعد قوى وتنتهي حقبة القطب الواحد التي تمثلت في العلم الأمريكي المهترء حاليًا.
لم تتوقع دوائر صنع المؤامرة ذلك الصمود الأسطوري، فأقصى تخيلاتهم أن سورية ستصمد لعدة أشهر، وعلى الرغم من مئات مليارات الدولارات، وبراميل النفط الخليجي التي خصص ثمنها لإسقاط سورية، وبرغم عشرات الألف من المرتزقة الذين قاربت جنسياتهم على 130 دولة، بقيت سورية تحطم مكاتب أجهزة إستخبارات العدو التي راحت تدير تلك المؤامرة الكونية.
قررت سورية منذ اللحظة الأولى المواجهة، فكان لها الانتصار، واليوم تعلن فصل جديد من فصول المعركة، فبعد أن أيقن الجميع أن معارك الأرض لا منتصر فيها إلا الجيش العربي السوري، اعلنت قوات الدفاع الجوي العربي السوري ان معارك السماء ايضًا حسم النصر بها حصريًا لسورية. حيث أنه في معركتين لا يبعد بينهما سوى أسابيع قليلة لقنت وسائط الدفاع الجوي العربي السوري دروسًا لأربع من أعمدة المؤامرة، وكان الدرس الأول حينما تم إسقاط طائرة صهيونية معادية من طراز “اف 16″، وجاء الدرس الثاني مع إسقاط 71 صاروخ من أصل 103 خلال عدوان ثلاثي شنته الولايات المتحدة الأمريكية والمملكة المتحدة وفرنسا.
كانت القيادة السورية دائمة التصريح بأن الرد على أي عدوان صهيوني سيكون في ” الوقت والمكان المناسبين ” ، ولم يصدق العدو إلا حينما رصدت أجهزته إسقاط طائرته المقاتلة التي يتفاخر بها، كذلك حذرت القيادة السورية دول العدوان من شن أية ضربات، ولم تصدق الدول التى حينما رصدت إسقاط صواريخها المجنحة. وبعد هذا يبهت العدو مع الحديث الروسي حول تزويد الدولة السورية بمنظومة الدفاع الجوي “إس 300″، حينما قال وزير الخارجية الروسي “سيرغي لافروف” أن العدوان الثلاثي الذي شنته الولايات المتحدة وفرنسا وبريطانيا ضد سورية يمنح موسكو الحق في تزويد دمشق بمنظومات الدفاع الجوي “إس300″، كذلك قول الفريق أول “سيرغي رودسكوي” رئيس مركز إدارة العمليات العامة في هيئة الأركان الروسية : إن روسيا قد ترد على الضربة الامريكية الفرنسية البريطانية بتوريد منظومات الدفاع الجوي الصاروخية ” إس300 ” للقوات السورية .
يأتي الرعب الصهيوني هنا لأن منظومة الصواريخ ” إس 300 ” التي يمكنها صيد الصواريخ والطائرات الامريكية والصهيونية كما يصطاد المضرب الذباب، تتميز بخاصية تثبيتها أو استخدامها على مركبات متحركة، وتعتمد على استخدام رأس حربي وزنه 133 كجم شديد الانفجار، يمكنه تدمير الهدف دون الحاجة إلى الإصطدام المباشر، وهى منظومة مجهزة بـ3 أنواع من الصواريخ يصل مدى الأدنى منهم إلى 47 كم، والثاني إلى 75 كم، ويصل مدى أقصاها إلى 150 كم، ويمكن لأي منها إسقاط أهداف في مدى قصير يصل إلى 25 كم.
رعب وهذيان .. هو ما أصيبت به قيادات العدو الصهيوني ومن معه من دول المؤامرة ، فمع اسقاط الطائرة الـ” اف 16 ” سعى العدو الصهيوني إلى التواصل لدى روسيا والولايات المتحدة كي يتلقى وعدًا بعدم توجيه سورية ضربة لمواقعة الحربية، خاصة وأن مجرد إسقاط الطائرة المعتدية جعل صفارات الإنذار تدوي بالأراضي المحتلة وهبط المستعمرون إلى الخنادق سريعًا، ورفعت حالة التأهب في قوات الإحتلال للدرجة القصوى، ووصف العدو بنفسه عملية إسقاط الطائرة بـ” الصدع” في تفوقه.
كذلك جاءت تصريحات الصهاينة لتؤكد مدى الهلع الواقع لديهم، حيث علقوا على منظومة “إس 300″، وقال الوزير الصهيوني “أفيغدور ليبرمان” : إذا كانت سورية ستستخدم منظومة ” إس 300 ” المتقدمة لمهاجمة طائراتنا فستقوم بالرد، كذلك قال “عاموس يدلين” وهو القائد الأسبق لشعبة الإستخبارات الحربية الصهيونية “أمان” ورئيس أحد أهم المراكز الحربية لدى الكيان الصهيوني حاليًا : إن أرسلت روسيا منظومة “إس 300” إلى سورية فسيدفعنا ذلك إلى استهدافها.
وبدا واضحًا ايضًا إصابتهم بداء ” الحمى” فارتفعت درجة حرارتهم وصاروا يتحدثون بهذيان نتيجة الصدمة، حيث أرسل عدد من قادة العدو الصهيوني برقيات حول إستهداف الرئيس السوري بشار الأسد شخصيًا، فقال وزير الطاقة والموارد المائية الصهيوني “يوفال شتاينتس” : بأن أي حرب ستشن علينا من الأراضي السورية ستجلب تداعيات فتاكة على حكومة دمشق والرئيس السوري بشار الأسد، وإذا سمح الأسد كزعيم سوري لأحد، إيران أو أي طرف آخر، بإعلان حرب علينا من سورية، فإنه مسؤول عن حياته.
إن ما نفذته وسائط الدفاع الجوي العربي السوري، وبالرغم من تصنيفه ضمن العمليات الدفاعية إلا انه أربك تكتيكات العدو، وعرقل مخططاته الإستراتيجية، فما حدث غير في طبيعة الإشتباك العسكري الراهن، وأعلن عن وجود قوة عسكرية كبرى لا يستهان بها تسمى “الدولة السورية”، فلم تعد بالنسبة إلي دول المؤامرة، هي الدولة الممانعة المقاومة التي لم تضع يدها في يد العدو الصهيوني فحسب، بل صارت هي سورية صاحبة الجيش الذي يهدد وبقوة أمن الإحتلال الصهيوني ويحمي البوابة الشمالية للوطن العربي.
إن ذلك التغيير في موازين القوى العسكرية جعل الرئيس الأمريكي دونالد ترامب يكرر في أكثر من مرة نيته سحب القوات الأمريكية المتواجدة في سورية، وهو الحديث الذي يفسر قطعًا بأنه نوع من أنواع الابتزاز المادي لخزائن مشيخات النفط الخليجي، ولكنه يدلل أيضا على التغيير في قواعد الإشتباك العسكري، والتيقن الأمريكي بأنه ليس بمقدروه لعب دور عسكري على الأرض السورية.
إن العدو الصهيوني ومن معه في خندق العداء تنتابه حاليًا حالة من الذعر، وأدرك أن سورية أفشلت كافة مخططاته التي سعت الى إسقاط الدولة، بل وأن الجيش العربي السوري تسلح بأقوى وسائط الدفاع الجوي، وصارت السماء العربية السورية أرض محرمة على طائرات وصواريخ الأعداء، بل والأكثر من ذلك أن الجيش العربي السوري تمرس على مدار أكثر من سبع سنوات هي عمر الأزمة الراهنة على تكتيكات حرب الشوارع التي يخشاها العدو الصهيوني ويدرك أنها حرب نهايته، والسبيل إلى فناء كيانه وحلمه اللامشروع.
ما حدث طيلة السنوات السبع الماضية بشكل عام، وما جرى بالأسابيع القليلة الماضية، أكد للجميع بأن خارطة القوى العسكرية قد تغيرت، وأنه على الجميع وضع حساباته جيدًا قبيل الإقدام على أية خطوة عدائية تصعيدية، فبجانب التغير الواقع في العلاقات الدولية، والتحالفات الإقليمية، فإن هناك جيش تمرس وتسلح صار من الصعب هزيمته، وعلى العدو الإعتراف بذلك والتقهقر خطوات للخلف، والكف عن الهذيان.