همهمات شيطانية تلك التي يخرج صداها المنخفض من بين طرقات البيت الأبيض وممرات المجالس السرية المدبرة لمخططات الشر من وراء الستار، جاءت في أعقاب الآنين الناتج عن الهزيمة الكبرى التي منيت بها جماعات المرتزقة العاملة بالوكالة لدى أجهزة إستخبارات الغرب التآمري، والتي اتخذت من سورية مسرحا وهدفا مرحليا لتنفيذ عملياتها.
همهمات تتحدث عن إحتمالية نقل الحرب الدائرة من حرب بالوكالة إلى حرب بالأصالة، وأن تقوم الدول التي تدير الحرب بالإنتقال من صفوف الدعم والتمويل والتخطيط والمساندة، إلى دول منفذة على الأرض بشكل مباشر.
هو سيناريو تحدث عنه وتوقعه البعض منذ فترة، وعارض إمكانية الإقدام عليه آخرون بشدة، واليوم مع تلك الهزائم الكبري لعصابات المرتزقة، والإنتصارات للجيش العربي السوري بات الأمر محل نقاش وإحتمالية من جديد.
ومع بداية الحرب الكونية على سورية، انقسم الفريق المتآمر الي قسمين اساسيين، أولهما هو المخطط والمدبر والمقدم للغطاء السياسي الدولي، والآخر هو المنفذ على الأرض، تمثل الأول في الولايات المتحدة الأمريكية وحلفاءها من دول أوربية، وتشكل الثاني من تلك الجماعات المتعددة الجنسيات صنيعة أجهزة إستخبارات القسم الأول، والتي إتخذت أسماء كداعش وجبهة النصرة والجيش الحر.
ولعل الجانب الرامي إلى إحتمالية إنتقال الحرب من الوكالة إلى الأصالة قد استشهد بما يفعله النظام التركي في عفرين السورية، ودخوله بآليات عسكرية في حرب وإحتلال واضح لا لبس فيه للأراضي السورية، ولكن المستند إلى ذلك تحدث كما لو أن تركيا تعد طرفا أصيلا في الحرب، وهو توصيف غير دقيق للأطراف، فما النظام التركي ومعه أنظمة الخليج إلا “سماسرة حرب” بالمعني الصحيح للمفردة، فصحيح إن لكل منهم حلم توسعي إستعماري وهابي أو عثماني، إلا أنهم في النهاية أدوات للطرف الأصيل يتم إستغلالهم مقابل إغرائهم – مجرد إغراء لا تنفيذ – بتحقيق الأطماع، وإستخدام أراضيهم وأموالهم بديلًا عن إرهاق الخزائن الأمريكية والصهيونية.
إن ما يفعله نظام آردوغان اليوم ليس إلا إستمرارا لدوره في إطار وظيفة السمسرة، وإن حاول تطوير أداءه لجني مزيدا من المكاسب وإرضاًء للعميل، ولا يعني أن آردوغان قد أعلن أنه يحارب ميليشيات كردية هي بالأٍساس موالية للولايات المتحدة الأمريكية ومعادية له، أنه يقف في مواجهة واشنطن، كما لا يمكننا اعتبار أن تلك الميليشيات قد خرجت عن الطاعة الأمريكية وتحارب الحليف التركي وإن كان معاديا لها، وإنما يمكن فهم ما يحدث إذا ما كانت لدينا قناعة بأن المخطط يرغب في استمرار اشتعال المنطقة والتغطية على انتصارات سورية، ولهذا فقد قرر أن يتقاتل عملاؤه سويا، كي يستمر الاشتعال، لحين إخراجه من خندق الهزيمة.
وفي هذا الإطار لا نجد الولايات المتحدة الأمريكية قد دخلت تلك الحرب بشكل هجومي متكرر في مواجهة الجيش العربي السوري وحلفاؤه، وإنما تتواجد على الأراضي السورية بحجج واهية مكشوفة وكاذبة، وتساند العصابات الإرهابية وتقدم لها المعلومات الإستخباراتية والدعم العسكري، وتساعد في إجلاء تلك العناصر قبل القضاء عليهم وترحيلهم إلى أماكن أخرى، ولكنها لا تجرؤ على المواجهة المباشرة الشاملة التي تحول الحرب من الوكيل إلى الأصيل، وإن كانت واشنطن ترى أن الوقت مناسب للدخول بشكل مباشر في مواجهة عسكرية واضحة ضد سورية لفعلت.
هذا لا يعني أن سيناريو الحرب مع الأطراف الأصيلة مستبعد بشكل نهائي، ولكن اليوم لا يتوفر المناخ الملائم له، خاصة في ظل تحالفات دولية، تلجم الولايات المتحدة الأمريكية ومن معها، ويجعلها تدرك بأن الدخول المباشر يحول الأمر إلى حرب عالمية جديدة ينتهي معها النفوذ الأمريكي، ويقضي على الأطماع الصهيونية.
إن سورية التي اسقطت طائرات صهيونية بدفاعاتها الجوية، تقول للأطراف الأصيلة المعادية في تلك الحرب بأنها قادرة وجاهزة للإنتصار عليهم، كما إنتصرت على وكلائهم، في البداية توهمت الولايات المتحدة ومن معها أن بإمكانها هزيمة سورية وتفكيكها وجعلها مجموعة من الدويلات المتناحرة طائفيا، خلال أيام بسيطة، ولكنها اليوم صارت سبع سنوات، ولم تهزم سورية، بل إنتصرت إنتصارات ساحقة على المخطط الصهيوأميريكي، وخرجت من معاركها أقوى من اللحظة التي فرضت عليها فيها الحرب، وصارت لها خبرة قتالية لم تكن لتصقل بها عبر التدريبات والمناورات، ولكنها أصقلت اليوم بفعل الحرب الفعلية، والتي تجعل منها دولة مؤهلة لخوض الحرب النهائية ضد الكيان الصهيوني، بأسلوب حرب الشوارع، وهو ما تخشاه اليوم الصهيونية العالمية، إدراكا منها أن حربها اليوم وفي تلك الظروف الراهنة ستكون حرب النهاية بالنسبة إليها.