يحتفل المسيحيون حول العالم هذه الأيام بعيد القيامة، أو الفصح، الذي يحيون فيه ذكرى قيامة المسيح بعد صلبه بثلاثة أيام. ولكن في معظم الدول التي تختلط فيها الكنائس الشرقية والغربية – كالدول العربية – يحتفل بهذا العيد في موعدين مختلفين، وتخرج نداءات سنوية من مسيحيي هذه الدول تطالب بتوحيد العيدين. ما هو سبب هذا التباين بين الطوائف المسيحية في موعد الأعياد التي يفترض بها أن تكون إحياءً لذكرى أحداث محددة؟
الانفصال عن الفصح اليهودي
سنة 325 عقد برعاية ودعوة الإمبراطور (القديس) قسطنطين مجمع نيقية، الذي حددت فيه معظم دعامات الإيمان المسيحي، ومن بينها الأناجيل القانونية ومواعيد الأعياد. وحتى ذلك الوقت كان المسيحيون يحتفلون بعيد الفصح وفقاً لعيد الفصح اليهودي، كون أحداث الصلب والقيامة حصلت في الأيام الثلاثة التالية لهذا العيد.
وابتداءً من هذا المجمع الذي كان يشكل نقطة انفصالٍ بين المسيحية واليهودية، تقررت طريقة جديدة لتحديد موعد عيد الفصح، بعيداً عن التقويم اليهودي. جاء في رسالة قسطنطين إلى المجتمعين في نيقية أنه “لا يناسب على الإطلاق، وخاصة في هذا العيد الأقدس من كل الأعياد، أن نتبع تقليد أو حساب اليهود الذي عميت قلوبهم وعقولهم وغمسوا أيديهم بأعظم الجرائم فظاعة”، وتقرر أن يحدد موعد عيد الفصح لكل عام في الأحد التالي لأول قمر مكتمل (بدر) بعد الاعتدال الربيعي في 21 مارس. ومنذ ذلك الحين ما زالت هذه الطريقة هي المعتمدة في تحديد موعد الفصح، وكانت كنيسة الإسكندرية هي المسؤولة عن هذه المهمة لسنوات طويلة نظراً لتقدم علوم الفلك في المدينة، وكان يعلن موعد عيد الفصح – وبالتالي بدء الصيام السابق له أيضاً – في يوم عيد الغطاس (ذكرى تعميد المسيح بالماء على يد يوحنا المعمدان) الواقع في 6 يناير.
التصحيح الغريغوري
التقويم الشمسي الروماني الذي كان معتمداً في المسيحية، والمعروف باسم اليولياني نسبة إلى يوليوس قيصر الذي أسسه سنة 46 ق.م، يقوم على اعتبار مدة السنة 365 يوماً وربع (6 ساعات)، ويقوم بإضافة يوم إلى شهر فبراير كل أربع سنوات. في سنة 1582 لاحظ البابا غريغوريوس الثالث عشر خطأً في التقويم، مرده أن مدة السنة هي بالضبط 365 يوماً و48 دقيقة و51 ثانية، أي أقل من التقدير اليولياني بمدة 11 دقيقة و9 ثوان. ولتصحيح هذا الخطأ، أمر البابا غريغوريوس يوم 4 أكتوبر سنة 1582 أن اليوم التالي هو 15 وليس 5 أكتوبر، مؤسساً ما يعرف اليوم بالتقويم الغريغوري، أو الميلادي. ولتفادي اليوم غير الضروري الذي يضيفه التقويم اليولياني، قرر ألا يضاف يومٌ تاسع وعشرون إلى شهر فبراير عندما يكون رقم السنة من مضاعفات المئة ولا يقبل القسمة على 400، وآخر سنة خضعت لهذه القاعدة هي سنة 1900، التي لم يكن فيها يوم 29 شباط. هذا التعديل أدى لفرق 10 أيام بين التقويمين، إضافة إلى اليوم المحذوف من فبراير في سنوات (1700 – 1800 – 1900)، ليصبح الفرق الآن 13 يوماً.
وقد استطاع البابا غريغوريوس أن يفرض هذا التغيير على الأوربيين الذين يتبعون سلطته الدينية، في حين رفضت معظم الكنائس الأورثوذكسية غير التابعة لسلطته هذا التعديل، واستمرت باستخدام التقويم اليولياني. ورغم اعتماد التقويم الغريغوري في شتى بلاد العالم – بما فيها مواطن الكنائس الأورثوذكسية – إدارياً وفي تحديد معظم الأعياد، فإن تعيين موعد عيد الفصح ما زال يتبع التقويم اليولياني في معظمها، وبالتالي حين يظهر البدر في 25 مارس مثلاً، فإن اليوم يكون في التقويم الشرقي ما زال 12 مارس، ويكون على الكنائس المشرقية انتظار البدر التالي بعد حوالي 28 يوماً (دورة القمر). ويأتي العيدان في موعد واحد إذا ظهر البدر بعد يوم 2 أبريل الغريغوري، كما حصل في أعوام 2004 و2007 و2010 و2011، وكما سيحصل في عام 2016. في معظم الأحيان، يكون الفرق بين العيدين أسبوعاً واحداً، بحيث يسبق الفصح الغربي، ولكن أحياناً قد يكون الفرق كبيراً، كما حصل سنة 2008 حين كانت المسافة بين العيدين خمسة أسابيع.