يقول د. محمد عبدالله الريح:
قبل خمسة أعوام أرسلت لي منظمة (الفاو) FAO
كتاب الرئيس البرازيلي السابق لولا دي سيلفا
“ZERO HUNGER”
لترجمته للعربية، وقد قمت بذلك.
وقصة الرئيس البرازيلي قصة جديرة أن تروى …
فى الثمانينات مرت البرازيل بأزمة اقتصادية طاحنة …
فذهبت للاقتراض من صندوق النقد الدولى معتقدة إنه الحل لأزمتها الاقتصادية …
وطبعاً طبقت حزمة الشروط المجحفة، مما أدى الى تسريح ملايين العمال وخفض أجور باقي العاملين، والغاء الدعم
وانهار الاقتصاد البرازيلي ووصل الأمر إلى تدخل دول أخرى في السياسات الداخلية للبرازيل، وفرض البنك الدولي على الدولة أن تضيف إلى دستورها مجموعة من المواد تسببت في اشتعال الأوضاع السياسية الداخلية
ورغم استجابة البرازيل لكل الشروط، تفاقمت الأزمة أكثر فأكثر، وأصبح 1% فقط من البرازيليين يحصلون على نصف الدخل القومي ..!!
وهبط ملايين المواطنين تحت خط الفقر، الأمر الذي دفع قادة البرازيل إلى الاقتراض من الصندوق مرة أخرى بواقع 5 مليارات دولار، معتقدين إنه الطريق للخروج من الأزمة
فتدهورت الامور أكثر، وأصبحت البرازيل الدولة الأكثر فسادا وطردا للمهاجرين، والأكبر فى معدل الجريمة وتعاطي المخدرات والديون فى العالم ..
“الدين العام تضاعف 9 مرات فى 12 سنة”
حتى هدد صندوق النقد بإعلان إفلاس البرازيل إذا لم تسدد فوائد القروض، ورفض إقراضها أى مبلغ فى نهاية 2002 …
وانهارت العملة … “الدولار وصل الى 11 الف كروزيرو”
دولة كانت تحتضر بمعنى الكلمة …
حتى جاء عام 2003 …
وانتخب البرازيليين رئيسهم “لولا دا سيلفا” … الذى ولد فقيرا، وعانى بنفسه من الجوع، وظلم الاعتقال “كان يعمل ماسح أحذية”
أول ما مسك الحكم الكل خاف منه …
رجال الأعمال قالوا هذا سوف يأخد أموالنا ويؤممنا …
والفقراء قالوا هذا سوف يسرق كي يعوض الحرمان …
لكنه لم يفعل ذلك …
وإنما قال كلمته الشهيرة
“التقشف ليس أن أفقر الجميع بل هو أن تستغنى الدولة عن كثير من الرفاهيات لدعم الفقراء”
وقال كلمته الشهيرة:
“لم ينجح أبدا صندوق النقد إلا فى تدمير البلدان” …
واعتمد على أهل بلده …
وضع بند في الموازنة العامة للدولة أسماه:
“الإعانات الاجتماعية المباشرة” وقيمته 0.5% من الناتج القومي الإجمالي للدولة …
ويصرف بصورة رواتب مالية مباشرة للأسر الفقيرة
يعنى بدل الدعم العينى بدعم نقدي …
وهذا الدعم كان يدفع الى 11 مليون أسرة تشمل 64 مليون برازيلى
هذا الدعم كان 735 دولارًا …
طبعا السؤال من أين …؟؟ والبرازيل مفلسة ؟!!
لأنه رفع الضرائب على الكل …
ما عدا المدعومين ببرنامج الإعانات …
يعنى رفع الضرائب على رجال الأعمال والفئات الغنية من الشعب …
والسؤال هل وافق رجال الأعمال على ذلك ببساطة ؟؟!!
تخيل إنهم كانوا سعداء لأنه منحهم “تسهيلات” كبيرة في الاستثمار وآلية تشغيل وتسيير أعمالهم … و”منح” الاراضي مجانا وتسهيل التراخيص …
وإعطاء قروض بفوائد صغيرة ساعدتهم فى فتح أسواق جديدة،
بالإضافة إلى أن الفقراء دخلهم سوف يرتفع، و”تزيد” عملية شراء منتجات رجال الاعمال “فتضاعف” حجم مبيعاتهم …
لذلك لم يشعروا انها “جباية” …
بل يدفعون ضرائب مقابل “تسهيلات” أصبحوا يكسبون اكتر منها
بعد 3 سنين فقط عاد 2 مليون مهاجر برازيلي وجاء معاهم 1.5 مليون أجنبي للاستثمار والحياة في البرازيل ..!!؟؟
فى 4 سنوات (مدة رئاسية واحدة) سدد كل مديونية صندوق النقد
بل أن الصندوق “اقترض” من البرازيل 14 مليار دولار اثناء الأزمة العالمية فى 2008، أى بعد 5 سنين فقط من حكم “لولا دا سيلفا”
وهو نفس الصندوق الذي كان يريد أن يشهر “إفلاس” البرازيل فى 2002، ورفض إقراضها لتسدد فوائد القروض
بفضل تركيز “دا سيلفا” على 4 أمور:
الصناعة … التعدين … والزراعة … وطبعا التعليم …
البرازيل أصبحت تصنع الطائرات (اسطول طائرات الإمبريال برازيلية الصنع) …
بعد انتهاء ولايتى حكم لولا دي سلفا فى 2011 (٨ سنوات) … وبعد كل هذه “الإنجازات” الحقيقية
طلب منه الشعب أن يستمر و يعدل الدستور …
رفض بشدة وقال كلمته الشهيرة:
“البرازيل ستنجب مليون لولا ولكنها تملك دستورا واحدا ”
و ترك الحكم
والبرازيل دشنت أول غواصة نووية (5 دول فقط فى العالم تصنع غواصات نووية هي: امريكا – روسيا – الصين – بريطانيا – فرنسا) …
أول غواصة كانت بالتعاون مع فرنسا … ولكنها ستدشن الغواصة الثانية فى 2020 والثالثة فى 2022 بصناعة برازيلية خالصة …!!
النهوض من التخلف ليس مستحيلا … إنها “إرادة” و”إدارة” …
ويحدث فى سنوات “معدودة” فقط … والطريقة “معروفة” ومحددة:
الصناعة … والزراعة … والاهتمام بالفئات الفقيرة المنتجة … و”جودة” التعليم …
وهذا ما عملته ألمانيا واليابان فى الستينات …
وهذا ما عملته دول شرق أسيا فى الثمانينيات …
وهذا ما عملته الهند فى التسعينيات …
وهذا ما عملته تركيا والبرازيل فى 2003 …
وهذا ما تعمله الآن اثيوبيا ورواندا منذ سنوات
شكرا للدكتور محمد عبد الله الريح علي هذا المقال القي
من مراسلات الصديق نبيل زكى الخبير فى البورصة